الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

رسالة إلى المسلمين العرب

رسالة إلى المسلمين العرب


اشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
هذه الرسالة بها:
(نبأ الدجال وحروب آخر الزمان وفتح القسطنطينية وعصمة فواتح الكهف وعيسى بن مريم ومكان نزوله والجزية التي سيضعها وضرورة بعثة المسيح وقوة زفيره الخارقة والمال الذي سيفيض وغيرها من أنباء الساعة )

# نص الرسالة:
أمة الحبيب... هل انتم راضون عن حالكم؟ هل تصدقون أن الله ينصر المؤمنين؟ فهل يخلف الله وعده؟ أم هل انتم لستم بمؤمنين؟ وإن كنتم كذلك.. أين دعاء الفاتحة؟ أين الذين أنعم الله عليهم؟ أم يخدعكم ربكم بهذا الدعاء؟ أيجعل الله في هذا الزمان مليارات ضالين وملايين مغضوب عليهم ولا يجعل منعما عليهم؟ ألا ترون أن هذا غير منطقي! .. أين روح القرآن؟ أين علماء الأمة؟ أين جماعة المؤمنين؟ أين إمام المؤمنين؟ أين وعد الله بحفظ قرآنه؟ أين إيمانكم؟ أين إيمان وروحانية البشرية؟ هل يرفع الله الإيمان هكذا ويترك دينه لمن هب ودب؟ هناك شيء خاطئ.. ولعل الرسالة التالية تجعلكم تفيقون قليلاً.
أمة الحبيب.. أريد أن اهديكم معلومات هامة جداً بخصوص أنباء الساعة..متعلقة جداً بهذا العصر..متأصلة جيداً من القرآن والسنة..وقد غابت عن أعينكم لفترة طويلة كفاية. 
أما بعد ... فيا أمتي الحبيبة كتب الله أن تضلوا من بعد سيدنا محمد وللأسف.. كما فعلت بني إسرائيل من بعد موسى.. وأن تقعون في شتى أنواع الشرك.. وأن يضيع القرآن منكم وهو بين ظهرانيكم كما ضاعت التوراة من بني إسرائيل وهي بين ظهرانيهم.. فقد حملوها كما تحمل الحمير البضاعة لا تدري ما في تلك البضاعة.. وكذلك تفعلون مثلهم حذو النعل بالنعل.. فليأتين عليكم زمان تحتفظون فيه بخط القرآن كما قاله الحبيب لكم.. ولكن لا تدرون حقيقة القرآن ولا معانيه الروحانية رفيعة المستوى ولا لآلئه المكنونة داخله.. فيكون قرآنكم في السماء وأنتم في الأرض.. ليس القرآن فقط بل كل إيمانكم يذهب منكم بلا أمل منكم في رجعة.. وتضيع تعاليم دينكم منكم عند الثريا بلا أمل في عودة ثانية إلا ببعثة ثانية لسيدنا محمد وعودة لزمن صحابته.
والحمد لله الرحمن الرحيم ليأتينكم الله بالبعثة الثانية فعلاً وليأتينكم برجل على هدي محمد ونوره مقتبس من نور محمد وهذا الكلام واضح في سورة الجمعة(وابحثوا ماذا قال النبي عن بعثة الآخرين عندما نزلت سورة الجمعة).. وعندما تذهب شمسكم _أي محمد صلى الله عليه وسلم _ يأتيكم الله بقمر يعكس عليكم بعضاً من نور الشمس حتى لا تضيعوا في ظلامكم الدامس وإذا جاءكم هذا الرجل يكون معروفاً بينكم بطهارة سيرته منذ صغره طهارة مثل طهارة مريم ويظل هكذا حتى يأتيه اليقين .. يقين الوحي.. فيصير ببركة مكالمات الله وكثرة النبوءات له نبيا ،ويأتي اليكم وجماعته بالإيمان ولو كان عند الثريا ويحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون.
وإذا أتاكم فاعرفوه... فإنه في صفاته وحالاته الروحانية ودعوته أشبه ما يكون بعيسى بن مريم.. حتى معارضتكم له تكون مثل معارضة بني إسرائيل لعيسى بن مريم.. حتى أنه يأتي للقضاء على فتنة الصليب تبعا لرغبات وإرادات عيسى بن مريم.. ويكون بلا معلم أرضي.. أي بلا أب روحي مثل عيسى بن مريم.. بل وأيضاً يهدي الموتى الروحانيين منكم ويدعوكم لما يحييكم مثلما فعل عيسى بن مريم مع اليهود الماديين ،من كثرة شبهه بعيسى وكونه عاش طيلة حياته قبل دعوته بطهارة مثل طهارة مريم يمكن أن اسميه كما سماه المصطفى "عيسى بن مريم" فهو شبيه لعيسى وليد لمريم. (فكما يقال فلان بن عز وبن حلال ،هو أيضاً بن مريم.. وليد مرحلة طاهرة وحالة روحانية أشبه ما تكون بحالة مريم عليها السلام ،ومثل هذا التشبيه شائع في العرب بل وشائع الآن أيضاً فليس المقصود بقولنا فلان بن عز أن أباه اسمه عز ،بل مر هذا الشخص بمرحلة زمنية وحالة ترف خاصة وكاملة حتى يمكن تسميته بأنه وليد هذه المرحلة ،وكذلك قولنا بن حلال وغيرها...).
واذا أتاكم فاعلموا جيداً:
أنه لن يهتدي من علومكم الأرضية.. بل يأتيكم بعلوم من السماء ومعارف من السماء لذا تواضعوا له ولا تتكبروا فهو خليفة الله فيكم المهدي من ربه وحده.. لا يهتدي بهدي أحدكم.. فهو يأتيكم من السماء ،لذا لا تتذاكوا وتستفتوا علماء عصره فيه.. ففي زمنه الكل ضال وماء المشايخ صارت غورا.. واعلموا أنه يأتيكم كذابون ثلاثون كلهم يقول أنه نبي ومهدي ولكن اعلموا أيضاً أن لمهدينا آيتين آية كسوف وآية خسوف.. فإذا كان هناك من يقول بأنه مهدينا وانكسف الشمس والقمر في رمضان واحد فهو نبي وصادق وهو مهدينا أما غير ذلك فهو كاذب ودجال ولا تنسوا.. ففي زمانه "لا مهدي إلا عيسى بن مريم".
إذا أتاكم مسيحكم إماماً مهديا وحكما عدلاً فاعرفوه مكانه: فإنه يأتيكم من مكان يقع في شرق دمشق تماماً.
واذا أتاكم فاعرفوا زمانه: 
فإنه يأتيكم في زمن يقارب خروج الدجال.. والذي يمكنكم أن تترقبوا خروجه بعد أن يفتح الله عليكم القسطنطينية.. ولا تنسوا فتح القسطنطينية فقد فتحت في عام ١٤٥٣ ميلادية.. ترقبوا هذا التاريخ وترقبوا تحركات الدجال جيداً. 
وإن ساعة مهديكم تأتي في زمان غلبة الصليب حيث لا يقدر على كسره أحد منكم ، يؤيده الله في مهمة كسر الصليب تلك ويمنح العالم أكبر طعنة في تاريخ البشرية موجهة مباشرةً الى الفكر الصليبي وهي وفاة عيسى بن مريم الإسرائيلي وفاة طبيعية مثل باقي البشر وأنه ليس بدعا من الرسل وأنه ليس بخالق ولا يحيي الأموات إحياء حقيقياً بل إعجازيا.
واعلموا أنه لن يقضي على الديانة الصليبية فقط بل يقضي على كل الأديان ولن يبقى بقوة وعقلانية إلا المسلمون والاسلام الى يوم القيامة فيحاجج الصليبيين والسيخ واليهود والهندوس والملحدين وكل الأديان.. وتكون الحجة البالغة للإسلام.. وبطريقة منهجية وعقلية مذهلة.. وإن شئنا أن نعبر عن الأمر بدقة يمكننا القول كما قال الحبيب بأنه سيهلك الملل كلها إلا الإسلام.. فزمنه يعينه على هذا أكثر من ذي قبل.. ففي زمنه تنتشر الصحف ويتعارف الناس على مستوى العالم وتنتشر الحضارات والثقافات ويكون العالم قرية صغيرة باستخدام الانترنت والأقمار الصناعية وغيرها ولكن لن يفهم الصحابة هذا الكلام.. لن يستوعبه من البشر إلا أصحاب القرن ال١٩ الميلادي ومن يليهم.. لذا تسهيلا لعملية نقل كلام النبي الينا قال الله عز وجل "وإذا الصحف نشرت وإذا النفوس زوجت"(هذه الآية تحتاج إلى تدبر عميق).. وينشر المسيح المهدي حجته حتى أقصى أطراف الأرضين ويقتل الكافرين قتلا شنيعا وفقط بنفسه الذي يتنفسه وأقواله وكتاباته القوية الدامغة.
ويأتيكم أيضاً في زمن قوة فتنة المسيح الدجال وهي فتنة قد تخفى على عقولكم لقوتها ودهائها ولا ترون حقيقتها.. لكن لكي تعرفوا زمانها فإنها تأتي في زمان قوم لا يدان لأحد بقتالهم يستخدمون الأسلحة النارية وأجيج النار من بنادق ومدافع وقنابل وصواريخ وغيرها حتى سماهم الله يأجوج ومأجوج وهم بمثابة الجناح العسكري للفتنة الدجالية فهم يحتلون البلاد ويأخذون خيراتها ومن ثم أصحاب الفكر الصليبي يأتون على مخترعاتهم لوسائل المواصلات وينشرون ديانتهم الصليبية في العالم بسرعة رهيبة.
(واذا العشار عطلت) فلن يركب أحد الجمال مرة أخرى فيتم اختراع بدلاً منها أشياءً أخرى أفضل منها .. منها ما يركبها اثنين ومنها ما يركبها عشرة ومنها ما يركبها ألف انها في الحقيقة الدراجات البخارية والسيارات العشرة راكب والقطارات والطائرات والسفن العملاقة ولكن تلك الأسامي لن يفهمها أحد في القرن السادس الميلادي ولكن صلى الله عليه وسلم قرب الأمور إلى الناقلين قدر المستطاع فمن غير المعقول أن يقول للصحابة سيأتيكم المسيح الدجال على القطار والطائرة ،فما للصحابة وما للقطار والطائرة؟.. ولكن طالما أن هذه المخترعات وسائل للنقل والحمل إذا يمكنه أن يسميها حمارا فهذا أشهر الحيوانات قياما بمهمتي النقل والحمل.. ومواصفات هذا الحمار أنه يأكل الحجارة أي يعمل بالفحم.. وإذا نظرت إليه من الجنب وجدت أعلى مقدمته جبل من دخان.. وإذا نظرت إليه من الأمام وجدت فيه لمبة قوية مضيئة مثل القمر.. وله سروج وفروج وسلالم من اليمين واليسار حتى يدخل فيه المسافرين.. اتمنى بعد هذا الوصف الثلاثي الأبعاد من الحبيب المصطفى أن تعرفوه ولا تنسوه إنه القطار البخاري.. وأيضاً ستجدون طائرة تطير بأجنحة ومواتير إحتراق من جيت وتيربو وغيرها وبما أنها ستستخدم لنقل الناس والبضائع يمكن أن يشبهها بأنها حماراً أيضا ولكن يطير ويتناول السحاب بيمينه وله جناحين ثابتين غير متحركين لا يشبهان أجنحة الطير أشبه ما يكونا بأذنين طويلين طول كل منهما أربعون ذراعاً وما بين أذنيه أربعون باعا ويجلس المسافرين بين أذنيه.. وستجدون أيضاً ما يسمى بالسفينة التجارية وسفينة الصيد وهي عملاقة جداً وتصطاد كل شيء من البحار ولها ميكانيزم ضخم (أي تصميم ميكانيكي وآلية عمل جبارة) تعتمد على قوانين فيزيائية وهيدروليكية معقدة ولكن يمكنني بأن أسهل عليكم الوصف وأقول لكم إنها جبال تسير في البحار ولها يد أطول من الأخرى فتمد يدها الطويلة وتأخذ من الحيتان ما تشاء.
وترون أيضاً العجب العجاب و كيف أن النبي تنبأ لهؤلاء القوم أنهم سيخرجون أطنانا من البترول من صحراء العرب والعراق والخليج _وهذا البترول كما نعلم إنما هو مادة عضوية تكونت نتيجة تحلل الديناصورات من ملايين السنيين_ ولأهميته الإقتصادية يسمونه الذهب الأسود ،ويستخدمونه في صناعاتهم وإقتصادهم ومحطات الكهرباء خاصتهم أيضًا.. ويخرجونه من أماكن لا زرع فيها ولا ماء.. لا ترجون منها خيرا.. هي بمثابة مناطق خربة بالنسبة إلينا.. ولكن إذا أراد المصطفى أن يقرب الأمر على ناقليه يمكنه القول ببساطة أن هذه الأقوام ستقول للخربة اخرجي كنوزك فتخرج.
ومن ثم تحتل هذه الأقوام العالم ويسيطرون على إقتصاد العالم بقوة وشراسة ويعرضون تراثهم وحضارتهم وأديانهم المزيفة الصليبية ويعرضون دياثتهم وإلحادهم وخلاعتهم ومجونهم على العالم ومن يرفض أن يكون في جانبهم او خاضعا لتلك الأفكار والثقافات معهم يوقعون عليه الضغوطات الإقتصادية والقيود المالية ويضيقون عليه من كل جانب حتى يفلس وتصير بلاده خربة ولكن مع الوقت نفسه من يصمد امامهم سيكتشفون انهم أحرار وعلى صواب وسيعتمدون على أنفسهم ويقومون باقتصادهم الخاص ولكن اذا خافوا ورضوا بالخضوع لهم والنخوع صاروا عبيداً لهم يذهبون بهم ويجيئون حيث يريدون ولا يريدون.. بمعنى آخر ومختصر يأتونكم _هؤلاء الكاذبين مغيري الحقائق عن البشرية_ بجنة ونار ولكن نارهم جنة وجنتهم نار .
وهؤلاء الأقوام يتطورون في علم النبات ويتطورون في علم الجينات حتى أنهم يزرعون محاصيل الشتاء في الصيف ومحاصيل الصيف في الشتاء ويستخدمون أنظمة متطورة من الري حتى يصبح الماء نازلا للنبات على هيئة قطرات صغيرة وكثيفة محاكاة دقيقة للمطر باستخدام الطائرات ومكن الرش الحديث ،وتتطور علومهم حتى أنهم يمكنهم أن يجمدوا المياه في لحظة .. باستخدام النيتروجين السائل ،ويمكنهم أن يصنعوا سدودا للأنهار باستخدام الخرسانة وعلم الموائع وضغوطها حتى يوقفوا بتلك السدود أعتى وأقوى الفيضانات ،ويتطورون جداً في علوم الطب والجراحة حتى أنهم يفتحون أجساد الناس وأدمغتهم ويركبونها مرة أخرى ... ولكن كيف يشرح الرسول الامر للصحابة؟ فهذه علوم زمن بعيد جداً ! ... حسناً اعتقد أنه يمكنه أن يعبر لهم عن هذا الموضوع بأن الدجال سيأمر الأرض أن تنبت فتنبت ويأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الماء أن ييبس فييبس ويأمر النهر أن يرجع فيرجع ويقطع الشاب جزلتين ثم يدعوه فيتهلل وجهه ويضحك.
ولكن يريد رسولنا حمايتنا فينصحنا بقراءة الكهف كل جمعة لكي لا تتأثروا بفتن الدجال تلك.. ولكي تثبتوا ولا تحبوا الدنيا ولكي تحذروا الفتنة الصليبية.. بل وقال أكثروا من قراءة فواتح سورة الكهف فهي عصمتكم من الدجال! لماذا؟.. لأن فيها التحذير اللازم من فتنة حملة الصليب وفيها أيضا تحقيرا للدنيا وتذكيرا لكم بأن الأرض فانية وهالكة فلا تتمسكوا بها ولا تتمسكوا بالحكم والرئاسة ويكون همكم كله في الدنيا وتنسوا أنفسكم وحالاتكم الروحانية.
تأملوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم كيف أنتم إذا حل بن مريم فيكم وإذا حل فيكم إمامكم نبيكم الذي هو منكم.. إن هذا السؤال يدل على أمر محزن يطول شرحه:
فبما أنكم تحذون حذو بني إسرائيل حذو النعل بالنعل فسوف تعارضون مسيحكم معارضة كل قوم لنبيهم وبالأخص سوف تعارضونه معارضة بني اسرائيل لمسيحهم وستطالبونه بأن يأتيكم مبعوث طائر من السماء كما طلب بني اسرائيل من عيسى حيث قالوا له أين إيليا الذي سيأتينا طائرا من السماء وعلى السحاب تحمله الملائكة .. كذلك انتم تفعلون.. وتقولون لعيسى عليك أن تأتينا طائرا على أجنحة ملائكة.
وللأسف كما أنبأت بعض الروايات فلن يبايعه في البداية كثير من العرب... لذا أيها المسلمون بايعوه ولو حبواً على الثلج فهو وجماعته جماعة المؤمنين نجاتكم من المسيح الدجال.
اعلموا يا أمة الحبيب أن مسيحكم منكم فأنتم خير أمة أخرجت للناس ولن ينعم الله على كثير من أتباع الانبياء السابقين بنعمة الوحي ثم يحرم خير أمة من تلك النعمة وذلك الشرف فقد أنعم الله على أم موسى بالوحي وأنعم على مريم بالوحي وأنعم على زكريا بالوحي بل أنعم الله على النحل بالوحي.. فكيف يحرم الله عبداً مخلصاً محبا صادقاً لله ومحبا صادقاً لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من نعمة الوحي والمكالمات الإلهية؟.. واعلموا أن الله قد أخبركم أن من يطع الله ويطع رسوله فسوف يكون من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ومدرسة محمد قادرة على تخريج خريجين بدرجة أنبياء وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ولن يوقف هذا الفضل أحد أبداً..ولكن أحذروا أن يقول لكم أنا نبي من بعد محمد ولي نبوتي وشريعتي وكتابي.. فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ولا شريعة بعد شريعته ولا كتاب بعد القرآن وصلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بلا منازع.
واعلموا ايضا أنه لن يعلمكم نبي من بني إسرائيل تعاليم دينكم.. ولن يلغي لكم أحد من القرآن شيئاً.. ولن يعدل لكم أحد شريعتكم.. فلن يلغي الجهاد أحد.. ولن يأمكم من امم أخرى أحد.. ولن يغير من شريعة فرض الجزية أحد ولن يكره الناس في دينهم أحد.. ولن يقتل مسيحكم من لا يدين بالإسلام حتى تهلك الملل كلها ،لا وألف لا..هذا إكراه صريح في الدين..فإن فعل أحدهم هذا فهو ليس من الله في شيء.. فليس الأمر كذلك.. بل كل ما في الأمر أنكم ستبتعدون عن تعاليم الإسلام وستظنون أن كل شيء لا يحل إلا بالعنف والقتال وستنتشر في قلوبكم مشاعر الكره والحسد للأمم الأخرى وستعتقدون بأن عليكم قتالهم أجمعين والجهاد في سبيل الله ضدهم أجمعين ولكن الحقيقة أن هذا التفكير عقيم والجهاد في سبيل الله أسمى من ذلك فلم يكن القتال في سبيل الله إلا لإعلاء كلمة الله والتي هي حرية نشر الإسلام وحرية الإعتقاد عامة وعدم اكراه الناس على دينهم أينما كانوا.. أما غير ذلك فعلى الدولة المعنية بهذا الإكراه الديني أو إذا سطت على دولة مجاورة أخرى بسبب اختلافات دينية أن تتوقف في الحال وأن يتم تحذيرها للكف عن ظلمها سلما أولاً حقنا للدماء واذا لم تتوقف على اعتدائها بسبب العنصرية الدينية يتم اتخاذ قرار الحرب نشرا للحرية الدينية في العالم.
وهذا هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته دفاعاً عن أنفسهم ممن كانوا يقاتلونهم لأنهم يقولون أنه لا إله الا الله إله واحد فرد صمد وكانوا يدافعون أيضاً عن أي دولة يتم إضطهاد الناس فيها بسبب دينهم ويحذرون أصحاب القرار في تلك الدول المعتدية من روم وفرس في مصر والشام وغيرها بأن توقفوا عن إضطهادكم للملسمين الذين يعيشون تحت سلطاتكم.. فيأتيهم الرد منهم بالرفض وبالاستمرار في التعذيب والقتل وأنواع الإكراه.. فيضطرون حينها للقتال دفاعاً عن هؤلاء الضعفاء فيقولون لرؤساء هذه الدول أمامكم الآن بعد رفضكم للسلام خيار من ثلاثة خيارات.. الخيار الأول: أن تخضعوا لحكومتنا وسلطتنا ودستورنا الذي يدعم تلك الحريات ،وتدفعوا ضرائب باستمرار تدل على أنكم حلفاءنا وفي صفنا وتحت قيادتنا ،وتعني أنكم لن تدخروا الأموال في عمل إنقلابات ومخططات إرهابية.. والخيار الثاني: فهو أن تعلنوا الاستسلام والرجوع عن هذه الاعتداءات في حق الحريات البشرية وأن تقبلوا الاسلام وأن تدعوا الناس يدينون بما يريدون كيفما يريدون أينما يريدون فلا إكراه في الدين.. أما الخيار الثالث والأخير والغير مرغوب فيه: فهو الحرب.. وللأسف كان غالباً يأتيهم الرد بالرفض وباستمرار العنف والإرهاب ،والتآمر ضد الأمن القومي للدولة الإسلامية المسالمة والتخابر مع أعدائها المعتدين من روم وفرس وغيرهم من غاصبي حقوق الحريات الدينية.
أما في زمن مسيحكم فالوضع مختلف تماماً فلن تهجم دولة على أخرى بسبب دينها مرة أخرى وإن حدث ذلك فهو من منظمات إرهابية فردية لا تمثل دولا أخرى أبداً.. لذا ليس عليكم أبداً أن تقاتلوا باسم الإسلام.. وتقولوا أنه جهاد في سبيل الله.. فهذا خداع وكذب.. وسيكون علماءكم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم اليها قذفوه فيها ،وسيفهمكم مسيحكم هذه الإشكالية ولكن تظنون به سوءاً بأنه يسقط حكم الجهاد وستعارضونه وتتعجلون في أمره ولا تتفكرون.
وأما وضع الجزية فليس معنيا به تغيير الشريعة أبداً.. فمحمد خاتم النبيين ولا شريعة بعد شريعته ولا كتاب بعد القرآن.. كل ما في الأمر هو أنكم ستحاولون أخذ الجزية من أناس طيبون مواطنون صالحون لا يجوز أخذ الجزية منهم.. ومسيحكم سيفهمكم هذه الإشكالية أيضاً وسيفهمكم أنه لا يجوز أي تغيير أو تبديل في شريعة محمد خاتم النبيين ولكنكم ترفضون قوله وتقولون: أين ذلك النبي من تلك الرسل التي خلت؟ أين عيسى لكي يغير لنا شريعتنا؟ اين عيسى لكي يضع لنا الجزية ويكره الناس في الدين؟. 
يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون.
وستكتشفون بأنفسكم أنكم على باطل وأن تعاليم مشايخ دينكم بها خطب ما.. وخطابكم الديني تغلب عليه قسوة القلب وجهالة العناد والحرب وستحاولون تجديد خطابكم الديني.. وسيعرض عليكم جماعة المؤمنين _أتباع المسيح المهدي_ الحل لكل مشاكلكم وكيفية تجديد دينكم.. ولكنكم ترفضون وتبحثون عند فقراء الناس عن الحلول وتتركون من أعطاه الله وفرة العلوم يحدث الآخرين دونكم.. أنتم حينها كمن يعرض عليه المال الفائض ولا يقبله.. وسيكون المسيح حينها كمن يعرض المال الوفير ولا يقبله أحد.
أيها القارئ العزيز من تلك الأزمان المذكورة وتلك العصور المقصودة.. رجاءً لا تأخذ كلام النبي من كتب الحديث بحرفيته و أعلم أنه طلبت ذلك منكم وستجدون كلامه هذا في كتاب البخاري حيث قال لناقلي تلك النبوءات أن أيها الناس إني أقول لكم هذا الكلام لتفهموه وتعقلوه وتعوه.. فلتحدثوا به أولادكم وليحدث الآخر به الآخر فإنه أشد الفتن.
وأخيراً أيها العرب.. أتتكم كل تلك النبوءات صغيرها وكبيرها.. فماذا تنتظرون؟ ألم يأن للعرب أن تخشع قلوبهم ويقبلون الجماعة الإسلامية الأحمدية؟.

انتهت الرسالة...
الأحد، 4 أكتوبر 2015

نزول المسيح من السماء في الكتاب المقدس


نزول المسيح من السماء في الكتاب المقدس




ورد لفظ النزول في الكتاب المقدس ٣٠٠ مرة تقريبا وفي العشرات منها كان المعنى "الإقامة" و "المجيء" و "البعثة" وليس النزول المادي من جهة علوية إلى جهة أخرى أسفل منها. هذا ما درجت عَلَيهِ لسان العرب وتعارفوا عَلَيهِ، ولم يكن عندهم ما عند ناطقي العربية اليوم من تمسك بالمعنى المادي الصرف للـ"نزول"، بل كان المعنى المتبادر عند ذكر نزول أحد هو الإقامة والمجيء وللنبيين البعثة. أحد هذه النصوص كان بلسان المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام نفسه حين خاطب الجموع قائلاً:

فَقَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَا لأُتِمَّ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. [يوحنا 6:38]

وفي مكان آخر يقول:

أنا هو الخبز الذي نزل من السماء. [يوحنا 6:41]

ويبين لتلميذه نيقوديموس معنى ذلك أنه جاء بأمر الله تعالى وبأمر الله تعالى يرحل وأن لا أحد يأتي من السماء إلا بإذن الله وهكذا هو حال المسيح أو ابن الإنسان فيقول:

ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء. [يوحنا 3:13]

أي أن النزول من السماء حسب فهم المسيح عَلَيهِ السَلام نفسه هو البعثة الإلهية وليس النزول المادي من الفضاء أو السماء المادية التي يتشبث بها الحرفيون اليوم. وللتأكيد على أن المسيح عَلَيهِ السَلام لم ينزل نزولاً مادياً بل ولد من امرأة نقرأ من إنجيل متى:    

هَذَا سِجِلُّ نَسَبِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ.. فَقَدْ تَمَّتْ وِلادَتُهُ هكَذَا: كَانَتْ أُمُّهُ مَرْيَمُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ؛ وَقَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا مَعاً، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.. وَلَمَّا نَهَضَ يُوسُفُ مِنْ نَوْمِهِ، فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ مَلاكُ الرَّبِّ؛ فَأَتَى بِعَرُوسِهِ إِلَى بَيْتِهِ. وَلكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْناً، فَسَمَّاهُ يَسُوعَ. [متى 1:1-24]


ورد لفظ النزول في الكتاب المقدس ٣٠٠ مرة ولم يعني في أي منها غير المجيء والإقامة والبعثة أو النزول المادي بمعنى العقاب كالمرض والكوارث وغيرها، ومنه النصوص التالية :



وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، انْزِلاَ فِي بَيْتِ عَبْدِكُمَا لِتَقْضِيَا لَيْلَتَكُمَا، وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، وَفِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ تَمْضِيَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». لَكِنَّهُمَا قَالاَ: «لاَ، بَلْ نَمْكُثُ اللَّيْلَةَ فِي السَّاحَةِ». (التكوين 19:2)



وَلَكِنَّنَا حِينَ نَزَلْنَا فِي الْخَانِ وَفَتَحْنَا أَكْيَاسَنَا عَثَرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى فِضَّتِهِ بِكَامِلِ وَزْنِهَا فِي فَمِ كِيسِهِ، فَأَحْضَرْنَاهَا مَعَنَا لِنَرُدَّهَا. (التكوين 43:21)



وَهُمُ الَّذِينَ يُنْزِلُونَ الْمَسْكَنَ عِنْدَ ارْتِحَالِهِ وَيَنْصِبُونَهُ عِنْدَ حُلُولِهِ، وَأَيُّ وَاحِدٍ آخَرَ غَيْرَهُمْ يَقْتَرِبُ مِنْهُ يُقْتَلُ. (العدد 1:51)



ثُمَّ تَرْتَحِلُ خَيْمَةُ الاجْتِمَاعِ وَسِبْطُ اللاَّوِيِّينَ فِي وَسَطِ الْمُخَيَّمِ. كَمَا يَنْزِلُونَ كَذَلِكَ يَرْتَحِلُونَ. كُلٌّ يَنْزِلُ فِي مَوْضِعِهِ مَعَ رَايَاتِهِ. (العدد 2:17)



وَبَعْدَ ذَلِكَ ارْتَحَلَ الشَّعْبُ مِنْ حَضَيْرُوتَ وَنَزَلُوا فِي صَحْرَاءِ فَارَانَ. (العدد 12:16)



بَعْدَ أَنْ نَزَلَ يَعْقُوبُ دِيَارَ مِصْرَ، وَاضْطَهَدَ الْمِصْرِيُّونَ ذُرِّيَّتَهُ، اسْتَغَاثَ آبَاؤُكُمْ بِالرَّبِّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى وَهروُنَ فَأَخْرَجَاهُمْ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ وَقَادَاهُمْ لِلإِقَامَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. (صموئيل الأول 12:8)



ثُمَّ نَزَلَ ضَيْفٌ عَلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَذْبَحَ مِنْ غَنَمِهِ وَمِنْ بَقَرِهِ لِيُعِدَّ طَعَاماً لِضَيْفِهِ، بَلْ سَطَا عَلَى نَعْجَةِ الْفَقِيرِ وَهَيَّأَهَا لَهُ». (صموئيل الثاني 12:4)



الْمَحْبُوبَةُ: نَزَلْتُ إِلَى حَدِيقَةِ الْجَوْزِ لأَرَى ثَمَرَ الْوَادِي الْجَدِيدَ، وَأَنْظُرَ هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ وَنَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ (نشيد الأنشاد 6:11)



قَدْ نَزَلَ شَعْبِي أَوَّلاً إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ، ثُمَّ جَارَ عَلَيْهِ الأَشُورِيُّونَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ. (إشعياء 52:4)



فَيَحُلُّ بِهَا الرُّعَاةُ مَعَ قُطْعَانِهِمْ، وَيَضْرِبُونَ حَوْلَهَا خِيَامَهُمْ، وَيَرْعَى كُلٌّ مِنْهُمْ حَيْثُ نَزَلَ. (إرميا 6:3)



فَلَمَّا سَمِعَ مِيخَايَا بْنُ جَمَرْيَا بْنِ شَافَانَ كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ الْمُدَوَّنِ فِي الْكِتَابِ، [12] نَزَلَ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ إِلَى قَاعَةِ الاجْتِمَاعِ حَيْثُ كَانَ الرُّؤَسَاءُ كُلُّهُمْ مُجْتَمِعِينَ: أَلِيشَامَاعُ الْكَاتِبُ، وَدَلاَيَا بْنُ شِمْعِيَا، وَأَلْنَاثَانُ بْنُ عَكْبُورَ، وَجَمَرْيَا بْنُ شَافَانَ، وَصِدْقِيَّا بْنُ حَنَنِيَّا، وَسَائِرُ الرُّؤَسَاءِ. (إرميا 36:11-12)



وَلَمَّا نَزَلَ يَسُوعُ إِلَى الشَّاطِئِ، رَأَى جَمْعاً كَبِيراً، فَأَخَذَتْهُ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَشَفَى مَرْضَاهُمْ. (متى 14:14)



وَلَمَّا عَبَرُوا إِلَى الضَّفَّةِ الْمُقَابِلَةِ مِنَ الْبُحَيْرَةِ، نَزَلُوا فِي بَلْدَةِ جَنِّسَارَتَ. (متى 14:34)



وَانْزِلُوا فِي ذلِكَ الْبَيْتِ تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مِمَّا عِنْدَهُمْ: لأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ. لَا تَنْتَقِلُوا مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ. (لوقا 10:7)



فَأَلَحَّا عَلَيْهِ قَائِلَيْنِ: «انْزِلْ عِنْدَنَا، فَقَدْ مَالَ النَّهَارُ وَاقْتَرَبَ الْمَسَاءُ». فَدَخَلَ لِيَنْزِلَ عِنْدَهُمَا. (لوقا 24:29)



وَبَعْدَ هَذَا، نَزَلَ يَسُوعُ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى مَدِينَةِ كَفْرَنَاحُومَ، حَيْثُ أَقَامُوا بِضْعَةَ أَيَّامٍ. (يوحنا 2:12)



فَقَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَا لأُتِمَّ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. (يوحنا 6:38)


وهنالك نصوصاً لا حصر لها كلها تشير إلى معاني المجيء والإقامة والحلول والبعثة لا النزول المادي من الفضاء وإن ورد لفظ السماء.

من المعلوم أن إيليا النبي رفع إلى السماء عند اليهود بنص واضح صريح في الكتاب المقدس:


وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَجَاذَبَانِ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ، فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ تَجُرُّهَا خُيُولٌ نَارِيَّةٌ، نَقَلَتْ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ. (الملوك الثاني 2:11)

ولكن اليهود والنصارى جميعا لا يقولون بأن إيليا سينزل نزولا مادياً من السماء بل يبعث ويأتي:

اذكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي وَسَائِرَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي الَّتِي أَعْطَيْتُهَا فِي جَبَلِ حُورِيبَ لِجَمِيعِ شَعْبِ إسْرَائِيلَ. هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ قَضَاءِ الرَّبِّ الرَّهِيبُ الْعَظِيمُ. (ملاخي 4:4-5)

فمقابل الرفع إلى السماء ورد المجيء ولو ورد النزول ما عنى غير المجيء وقد فسره المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفسه:

فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ: «لِمَاذَا إِذَنْ يَقُولُ الْكَتَبَةُ إِنَّ إِيلِيَّا لاَبُدَّ أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلاً؟» فَأَجَابَهُمْ قَائِلاً: «حَقّاً، إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيُصْلِحُ كُلَّ شَيْءٍ. عَلَى أَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: قَدْ جَاءَ إِيلِيَّا، وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ فَعَلُوا بِهِ كُلَّ مَا شَاءُوا. كَذَلِكَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضاً عَلَى وَشْكِ أَنْ يَتَأَلَّمَ عَلَى أَيْدِيهِمْ». عِنْدَئِذٍ فَهِمَ التَّلاَمِيذُ أَنَّهُ كَلَّمَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ. (متى 17:10-13)

بل إن لفظ النزول استخدمه المسيح عَلَيهِ السَلام عن نفسه والكل يعلم بأن المسيح لم ينزل بل ولد. يقول المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام:

فَقَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَا لأُتِمَّ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي. (يوحنا 6:38)

وهذا معنى الحديث المنسوب لرسول الله ﷺ:

ثم ينزل عيسى بن مريم عليه السلام من السماء فيؤم الناس. (مجمع الزوائد عن أبي هريرة  ؓ 7\ 352)

وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

إذا نزل الرجلُ بقومٍ فلا يصومُ إلا بإذنِهم. (2865 أخرجه ابن ماجه عن عائشة  ؓ 1/560 ، رقم 1763، جامع الأحاديث، للسيوطي، 4/101)

فالمعنى إذن من النزول كما يجب أن يُفهم ببساطة النص وتلقائيته هو الإقامة أو البعثة بأمر الله تعالى والسماء إشارة لعلو وسمو المقام الإلهي لا مكان الله والعياذ بالله فالله ﷻ لا يحده مكان أو زمان تبارك وتعالى عن ذلك. والخلاصة هي أن نص الرفع أو النزول حتى إذا ورد مع لفظ "السماء" فلا يجب أن يُفهم منه إلا السمو والبعثة الإلهية لا النزول المادي من السماء التي نشاهدها فوق رؤوسنا وهي في الواقع محيط متغير بالنسبة لدوران الأرض، فما تراه الآن فوقاً يكون في المساء أسفلاً ولا يصح القول بأن فلاناً سينزل من هذه الجهة أو تلك فلا جهة عند الله تبارك وتعالى.

والخلاصة أن النزول في الكتاب المقدس لا يعني إلا المجيء والإقامة والبعثة وليس الهبوط من الفضاء الخارجي.

مثيل المسيح .. مثيل ابن الإنسان وليس شخصه

النبي دانيال يرى مثيل المسيح عليهم السلام



مثيل المسيح .. مثيل ابن الإنسان وليس شخصه 



لنقرأ النبوءة التالية من سفر دانيال:

"كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقربه قدامه". ( دانيال 13)

لاحظ؛ (مثل ابن الإنسان) أي مثيله وليس هو بنفسه، وابن الإنسان لقب للمسيح الناصري (عَلَيهِ السَلام) كما في النص التالي:

"فقالوا له من أنت ؟ فقال يسوع: أخبرتكم من البدء. عندي أشياء كثيرة أقولها فيكم، وأشياء كثيرة أحكم بها عليكم. لكن الذي أرسلني صادق، وما سمعته أقوله للعالم. فما فهموا أنه يحدثهم عن الأب، فقال لهم: متى عرفتم ابن الإنسان عرفتم إني أنا هو" ( يوحنا 8)

"فَقَالَ يَسُوعُ أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْن الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ". (مرقس 14 :62)

فابن الإنسان إذاً هو المسيح عيسى ابن مريم عَلَيهِ السَلام بينما مثيله هو الذي سيأتي في آخر الزمان، ولذلك جاء وصفه مختلفاً حسب الحديث الصحيح المعروف بأنه سوف يكون 'آدم سبط الشعر' حسب حديث ابن عمر في حين أن الوصف الذي ورد عن مسيح بني اسرائيل كان 'أحمر جعد' كما في حديث أبي هريرة وقول ابن عباس بأنه أحمر أو إلى الحمرة والبياض  وذلك يعني بانه ليس نفس الشخص بل مثيله.

أما القديم الأيام أو قديم الأيام الذي جاء إليه مثيل المسيح ليقدم له الإحترام فهو النبي العدنان سيد الأكوان محمد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم)، ولمزيد من الضوء دعونا نتأمل النبوءة التالية من نفس رؤى دانيال عَلَيهِ السَلام:

"وبينما كنت أرى، نصبت عروش، فجلس شيخ طاعن في السن وكان لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيب نار، وتخدمه ألوف ألوف، وتقف بين يديه ربوات ربوات فجلس أهل القضاء وفتحت الأسفار -إلى إن قال- ورأيت في منامي ذلك الليل فإذا بمثل ابن إنسان آتياً على سحاب السماء، فأسرع إلى الشيخ الطاعن في السن فقرب إلى أمامه وأعطي سلطاناً ومجداً وملكاً حتى تعبده الشعوب من كل أمة ولسان ويكون سلطانه سلطاناً أبدياً لا يزول وملكه لا يتعداه الزمن". ( رؤيا دانيال (6-7)

فالشيخ الطاعن بالسن ذو اللباس الأبيض (لباس التقوى والحج) صاحب العرش المتأجج باللهب (وعن يمينه نار شريعة لهم. سفر التثنية 33: 1، 2) والذي له ألوف وألوف من الخدم ويُبسَط له سلطاناً على ربوات وربوات (أراضٍ شاسعة) هو النبي الأكرم محمد المصطفى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) ولقّب بالشيخ الطاعن في السن لأنه النبي الخاتم الذي لم تنته ولن تنته شريعته بل سوف تظل متّقدة إلى الأبد تضئ بنورها العالم وتحرق بـلهيبها من علا وظلم وهو النبي الوحيد الحي بتعاليمه فيما اندرست شرائع الآخرين وماتوا معها. تتكلم الرؤيا عن مثل ابن الانسان (الإمام المهدي والمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام) ينزل (على سحاب السماء) أي بأمر الله تعالى لا من عند نفسه كما يظن المشايخ، فيجدّ مثيل ابن مريم الخطى إلى سيده ومولاه المصطفى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) أي لخدمة شرعه وتعاليمه ويقدم لحضرته من الاحترام والسلطان والمجد ما ينبغي لمقام خاتم النبيين (عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام) وذلك بالتأكيد على عظمة وتفوق شريعته الإسلام ليظهره على الدين كله وليثبت أن الإسلام هو الدين الوحيد الصالح إلى الأبد وملجأ الإنسان.

للاستزادة حول هذا النبأ الخاص بـ مثيل وشبيه ابن مريم نقرأ النص التالي الذي أورده الحر العاملي في الجزء الثالث من كتابه إثبات الهداة:

"إن القائم المهدي من ولد علي أشبه الناس بعيسى بن مريم خَلقاً وخُلقاً وسُمتاً وهيبة." ( غيبة النعماني ص149)

يقول الشيخ الأكبر بن عربي عن بعثة المسيح عَلَيهِ السَلام بشخص آخر ما يلي:

"ولما كان مرجعه إلى مقره الأصلي ولم يصل إلى الكمال الحقيقي وجب نزوله في آخر الزمان ببدن أخر". ( تفسير ابن عربي ج1 ص184)


 وتنسب الرواية التالية للنبي ﷺ أنه قال:

"سيكون من أهل بيتي رجل يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم من بعده القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه". ( الملاحم والفتن لابن طاووس ص77)


ويعزّزه الحديث التالي:

"القحطاني بعد المهدي والذي بعثني بالحق ما هو دونه". ( الفتن لأبن حماد ص245)

فكما يتضح من هذين الحديثين إن القحطاني هو من يلي المهدي ويخلفه، وقد خلف حضرة نور الدين القرشي (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه) المسيح الموعود كأول خليفة لحضرته (عَلَيهِ السَلام) وكان ينتمي لسلالة النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) من ناحية سيدنا عمر بن الخطاب (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه) من قبيلة قريش وفيه خصال من الخليفة الفاروق (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه) (حياة نور، الفصل ١، ص٥).


وردت كذلك نبوءة بشأن خليفة مثيل المسيح في سفر أشعياء:

"ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب ولذته تكون في مخافة الرب" (سفر اشعياء إصحاح 10 / 11)

فهذه مما يتصف به القحطاني وهي من فضل الله ونعمته عليه أن من أراد الله أن يجعله ملكا (خليفة) فلا بد أن يهيئ له الأسباب ويمتن عليه بالصفات التي تؤهله للملك، والمقصود بروح الرب هنا هو الإلهام والله اعلم حيث ورد في صحيح البخاري عن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) أنه قال:

"قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم أناس محدثون فان يك في أمتي احد منهم فهو عمر بن الخطاب".

فالمراد بروح الرب هو التحديث والإلهام كما كان عمر بن الخطاب (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه) ويدخل فيه أيضا صدق الرؤيا والله اعلم ففي صحيح مسلم:

"إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ".

وكذلك:

"رؤيا المؤمن جزء من ست وأربعين جزءا من النبوة".

وقد نص على ذلك نبوءة أشعياء حيث قال:

"فيرشده بالحق يعلمه إلهه". (اشعياء إصحاح 10/11)

 "هذا أيضا خرج من قبل رب الجنود عجيب الرأي عظيم الفهم". (نفس المصدر)

فالقحطاني (خليفة المهدي) شخص ملهم من قبل الله تعالى وهو الذي يختاره بعد النبي.

فحضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود (عَلَيهِ السَلام) وخليفته (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه) ورد وصفهم وذكرهم في أقدم النبوءات والحمد لله من قبل ومن بعد.

تطبيق لمشاهدة القناة العربية للتلفزيون الأحمدي المسلم MTA3

تطبيق لمشاهدة القناة العربية للتلفزيون الأحمدي المسلم MTA3


لمستخدمي أجهزة المحمول آيفون و آيباد، يمكنكم مشاهدة قناة الجماعة الإسلامية الأحمدية "أم تي أي الثالثة العربية" وذلك عبر تحميل التطبيق المجاني من متجر أبل App Store.


عند فتح التطبيق ستظهر لكم الواجهة التالية:





لمشاهدة البث الحي للقناة يرجى لمس السهم المثبت وسط الشاشة من جهة الأسفل كما هو مُّبِينٍ في الصورة. كما يمكن تدوير الهاتف أو الآيباد بالعرض لمشاهدة القناة بحجم الشاشة الكامل.
السبت، 3 أكتوبر 2015

لماذا سمي المسيح الموعود "ابن مريم" في الأحاديث



لماذا سمي المسيح الموعود "ابن مريم" في الأحاديث

الجواب الأول

لما صرح القرآن المجيد والأحاديث الصحيحة أن المسيح ابن مريم قد مات وأنه لا يرجع أبدًا إلى هذه الدنيا، ثبت أن المسيح الموعود المنتظر هو شخص آخر يكون من الأمة المحمدية، وأما تسميته بالمسيح ابن مريم فلأجل التشابه الواقع في الصفات والخواص، وهذا الإطلاق معروف شائع عند البلغاء وأهل اللغة، وكثيرًا ما يُذكر المشبَّه ويحذف المشبَّه به وحرف التشبيه لإظهار كمال التشبيه بين الشيئين، ويطلق اسم المشبَّه به على المشبَّه كما قال العلامة عبد القاهر الجرجاني: "إن التشبيه ينقسم إلى الصريح وغير الصريح. فالصريح أن تقول (كأن زيدًا الأسد) فتذكر كل واحد من المشبَّه والمشبَّه به باسمه، وغير الصريح أن تسقط المشبَّه به من الذكر وتجري اسمه على المشبَّه؛ كقولك (رأيت أسدًا)، تريد رجلا شبيهًا بالأسد، إلا أنك تغير اسمه مبالغة وإيهامًا أن لا فصل بينه وبين الأسد وأنه قد استحال إلى الأسديَّة. فإذا كان الأمر كذلك وأنت تشبه شخصًا بشخص، فإنك إذا شبَّهت فعلا بفعل كان هذا حكمه، فأنت تقول مرة: كأنّ تزيينَه لكلامِه نظمُ درٍّ؛ فتصرح بالمشبَّه والمشبَّه به، وتقول أخرى: إنما يَنْظم درًّا، تجعله كأنه ناظم درًّا على الحقيقة" (أسرار البلاغة صفحة 330). وقال الإمام الرازي في تفسيره: "إطلاق اسم الشيء على ما يشابهه في أكثر خواصه وصفاته جائز حسن (الجزء الثاني صفحة 689). وبما أن للمسيح الموعود مشابهات كثيرة بالمسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، فلذا أطلق على أحمد المسيح الموعود اسم ابن مريم عليهما السلام وهاكم بعض هذه المشابهات:
(المشابهة الأولى) جاء المسيح ابن مريم على رأس القرن الرابع عشر بعد موسى - عليه السلام -، كذلك جاء المسيح الموعود على رأس القرن الرابع عشر بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -.

(الثانية) أن المسيح الإسرائيلي - عليه السلام - كان خادمًا ومصدقًا للشريعة الموسوية ولم يأت بشريعة جديدة مستقلة ناسخة لما قبلها، كذلك بعث أحمد المسيح الموعود - عليه السلام - مصدقًا للقرآن المجيد وخادمًا للشريعة المحمدية الغراء ولم يأت بشريعة جديدة مستقلة ناسخة لما قبلها.
(الثالثة) ظهر المسيح الإسرائيلي - عليه السلام - عند حدوث الضعف والاضمحلال في اليهود، وكذلك أتى المسيح المحمدي وقت ضعف الأمة الإسلامية.
(الرابعة) كما أن المسيح الإسرائيلي بعث في أيام الحكومة الرومية كذلك بعث المسيح المحمدي في أيام الحكومة المسيحية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه أطلق لفظ الروم على المسيحيين: كما قال: "تقوم الساعة والروم أكثر الناس" (صحيح مسلم، باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس).
(الخامسة) بعث المسيح الإسرائيلي في حُلَّة الجمال وما نال السلطنة خلاف زعم اليهود، كذلك بعث المسيح الموعود في حُلَّة الجمال ولم يؤت ملكًا ظاهرًا من هذه الدنيا، وأتى خلاف أماني أهل الظاهر من المسلمين.
(السادسة) ما كان المسيح الإسرائيلي من بني إسرائيل من حيث الأب: لأنه ولد من غير أب، ولكنه كان إسرائيليًا من حيث الأم، كذلك ما جاء المسيح المحمدي من قريش من حيث الآباء! لأنهم كانوا من بني فارس، وإنه قرشي من حيث الأمهات، لأن بعض أمهاته كن من بني فاطمة ومن أهل بيت النبوة.
(السابعة) أن اليهود كفَّروا عيسى - عليه السلام - وكذَّبوه وأرادوا قتله وجروه إلى الحكام، كذلك فعل بعض علماء الإسلام بالمسيح الموعود وكفَّروه وكذَّبوه ورفعوا عليه القضايا في المحاكم الحكومية وسعوا كل سعي لقتله، ولكن الله عصمه من مكائدهم حسب وعده إياه (يعصمك الله من عنده وإن لم يعصمك الناس).

ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أفصح الفصحاء، فلذا قال عن المسيح الموعود على وجه الاستعارة "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم" (صحيح البخاري باب نزول عيسى ابن مريم)، و "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم فأمَّكُم" (صحيح مسلم باب بيان عيسى بن مريم)، مشيرًا إلى أنه يكون فردًا من أفراد الأمة المحمدية.

الجواب الثاني

وفي حديث آخر قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض أزواجه: "إنكنّ لأنتُنَّ صواحبُ يوسف، مُرُوا أبا بكر فليصَلِّ بالناس" (صحيح البخاري: كتاب الأذان). فانظر كيف أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - على أزواجه ألفاظ صواحب يوسف استعارة لأجل التشابه في شيء واحدٍ فقط.

الجواب الثالث

هناك طائفة من المسلمين الأقدمين الذين توغلوا في استنباط دقائق القرآن والأحاديث النبوية وليسوا من أهل الظاهر ذهبوا إلى أن المراد من نزول ابن مريم مجيء رجل يشبه عيسى ابن مريم في الفضل والشرف، كما ذكر العلامة سراج الدين أبو حفص عمر بن الوردي في كتابه (خريدة العجائب وفريدة الغرائب) ما نصه: "قالت فرقة: نزول عيسى خروج رجل يشبه عيسى في الفضل، كما يقال للرجل الخيّر مَلَك وللشرّير شيطان تشبيهًا بهما ولا يراد بهما الأعيان" (صفحة 205).

الجواب الرابع

وفي رواية للبخاري "قال أبو هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخًا من مسّ الشيطان غير مريم وابنها، ثم يقول أبو هريرة: إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " (كتاب بدء الخلق، باب واذكر في الكتاب مريم).

قال العلامة الزمخشري في شرح هذا الحديث: "فالله أعلم بصحته، فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين، وكذلك كل من كان في صفتهما كقوله تعالى: {لأُغْوِيَنهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}. (تفسير الكشاف: الجزء الأول صفحة 186)
ويؤيد ما قاله الزمخشري حديث آخر "قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أن أحدكم إذا أتى أهله فقال: اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني، فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان ولم يسلط عليه (صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس). فثبت من هذا أن لفظ "ابن مريم" في الحديث اسم وصفي أُطلق على رجل تقي ورع، والمراد من "نزول" ابن مريم بعثة رجل من الأمة المحمدية.

الجواب الخامس

بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن صفة المسيح الموعود مختلفة عن صفة المسيح الناصري، فإنه رأى ليلة أُسريَ به عيسى وموسى وإبراهيم عليهم السلام، وقال عن عيسى - عليه السلام -: "فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر (صحيح البخاري)، وَوَصف المسيح الموعود بقوله: "أَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ رَجِلُ الشَّعَرِ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالُوا هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ." (صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق، باب واذكر في الكتاب مريم)
فاختلاف الصفتين يدل على أن المسيح الموعود به للأمة المحمدية هو غير المسيح عيسى ابن مريم الناصري - عليه السلام -.

الجواب السادس

يقول الله تعالى عن المسيح الناصري - عليه السلام - {وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} (آل عمران: 50)، وقال المسيح بنفسه أيضًا {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِني رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ} (الصف: 7) .. أي أن المسيح الناصري إنما أرسل إلى بني إسرائيل فقط. فلو فرضنا رجوعه كخليفة لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أُرسل إلى جميع الناس كما قال الله تعالى {قُلْ يَا أَيهَا الناسُ إِني رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف: 159)، فلا بد من أن يقول المسيح الناصري إني رسول الله إليكم جميعًا، وقوله هذا يكون مخالفًا صريحًا لقول الله تعالى: {وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} (آل عمران: 50)، وهذا ينافي رسالته إلى غير بني إسرائيل، فلزم أن يكون المسيح الموعود غير المسيح الناصري - عليه السلام -، ولا يكون إلا من الأمة المحمدية.

الجواب السابع

يقول الله تعالى: {إِنا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} (المزمل: 16). وقد مثل الله تعالى نبينا - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية بموسى - عليه السلام -، فكما أن الله تعالى شبَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بموسى - عليه السلام - كذلك شبَّه الأمة المحمدية بالأمة الموسوية، وقال: {وَعَدَ اللهُ الذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (النور: 56)، ووعد المؤمنين في هذه الآية أنه يستخلف منهم كما استخلف من قوم موسى، أي أن الخلفاء في الأمة المحمدية يكونون مثل الخلفاء في الأمة الإسرائيلية، وكما أن الله أرسل مسيحًا إسرائيليًا لإصلاح الأمة الإسرائيلية، كذلك كان ضروريًا أن تعطى الأمة المحمدية مسيحًا محمديًا لكي تتم المماثلة بين السلسلتين؛ سلسلة موسى وسلسلة سيد المرسلين. ومُسَلَّمٌ أن المشبَّه والمشبَّه به لا يكونان شيئًا واحدًا؛ فالخليفة والمجدد الأعظم في الأمة الموسوية كان المسيح عيسى الناصري، وفي الأمة المحمدية المسيح المحمدي أحمد القادياني عليهما السلام.

هذا وإن الله رأى مفاسد آخر الزمان وفساد القسيسين وفلاسفة النصارى أنهم يطرون ابن مريم إطراء ويفضلونه على سائر الأنبياء؛ لا سيما على سيدنا ومولانا خاتم الأنبياء محمد المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ويسبّون خير البرية ظلمًا وعدوانًا ويجرحون قلوب المسلمين بحصائد ألسنتهم ويؤلفون كتبًا في رد الإسلام على وجه الافتراء، فاشتد غضب الله وفارت غيرته واقتضت رحمته، فأراد أن يرحم العباد ويحافظ على عزة نبيه - صلى الله عليه وسلم - القعساء، ويقيم الحجة على النصارى ويبطل مزاعمهم، فبعث رجلا من خدام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعطاه منزلة المسيح وسماه "ابن مريم" لتظهر فضيلة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتجلى المقام المحمدي وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو السيد وما المسيح إلا كالخادم فطوبى للذي لا يعترض على حكم الله.
الجمعة، 2 أكتوبر 2015

الرد على حياة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام




الرد على الأدلة التي يحتج بها بعض الناس على حياة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

الدليل الأول

{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء 158 - 159)
فمن لم يُقتل ولم يُصلب فهو حي.

الجواب

إن الله تعالى يقول أن اليهود ما قتلوا المسيح وما أماتوه على الصليب ولكن أغمي عليه وشُبِّه بالمقتول والمصلوب، واليهود أعلنوا موته على الصليب ليثبتوا أنه كان كاذبًا ولم يكن مرفوعًا إلى الله، فردَّ الله عليهم بأنهم ما قتلوه بل رفعه الله إليه؛ أي أكرمه وقرَّبه إليه، ومعلوم أن اليهود إنما أنكروا رفعه الروحاني فقط، وظنوا أنه صار ملعونًا بموته على الصليب حسب التوراة، فردَّ الله عليهم بقوله {بل رفعه الله إليه} بأنه لم يكن ملعونًا بل كان من المقربين، وقد مر بحث الرفع مفصلاً.
ومن أعجب العجائب أن يقال عن رجلٍ أنه لم يمت لأنه لم يُقتل ولم يُصلب. إذ إن وسائل الموت ليست منحصرة في القتل والصلب فقط، بل هناك أسبابٌ أخرى أيضًا للموت كالأمراض المختلفة وغيرها.
وأما ما ذهب إليه المفسرون بأن رجلاً آخر شبه بالمسيح وحُوِّل إلى صورته وقتله اليهود على الصليب، فليس بمقبولٍ لأنه مخالفٌ للتاريخ، وترد عليه اعتراضات شتى:

(الأول) أن واقعة الصليب وقعت قبل الإسلام بستمائة سنة تقريبًا ولم يشهدها إلا اليهود والنصارى، وهم متفقون على أن المعلَّق على الصليب كان المسيح ابن مريم بذاته لا غير، فكيف يمكن للنصارى أن يقبلوا قولاً مخالفًا لما وصل إليهم بالتواتر ويخالف كتبهم المقدسة؟ فهل يمكن أن يرد تواتر الأمتين من دون برهانٍ قوي؟
(الثاني) من أخبر المفسرين بأن المعلَّق على الصليب كان غير المسيح؟ هل أخبرهم اليهود أو النصارى أم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ كلا! بل إنهم اخترعوا هذه العقيدة من عند أنفسهم.
(الثالث) قد اختلف المفسرون في مَن أُلقي عليه الشبه اختلافًا كثيرًا. فقال بعضهم أن الله تعالى ألقى شبه عيسى - عليه السلام - على يهودي، وقال البعض بأنه ألقي على بعض أصحابه، ومنهم من يقول أن شبهه ألقي على حارس (راجع الجلالين وابن جرير وروح المعاني وغيرها) فأي قول منها أقرب إلى الصواب ولماذا؟
(الرابع) هل خاف الله من اليهود من أن يصعدوا إلى السماء فيقبضوا على المسيح؟ فلذا ألقى شبهه على رجل آخر بعد أن رفعه حيًا إلى السماء حسب اعتقادكم؟
(الخامس) لماذا أهان الله تعالى صورة محبوبه برسم صورته على عدوه؟ وإذا كان الله قد أراد أن يعذب ذلك العدو، فكان من الأولى أن يمسخه ويجعله قردًا أو خنزيرًا.

(السادس) إذا سلمنا بأن اليهود أماتوا على الصليب الرجل الذي شُبِّه بالمسيح ولم يثبت إنكاره عن كونه مسيحًا، فلا شك أن اليهود يكونون على الحق عند الله في تكذيب المسيح، إذ أنهم لم يروه ذاهبًا إلى السماء، والذي صلبوه كان المسيح نفسه طبق زعمهم واعتقدوا بكونه ملعونًا حسبما هو مذكور في كتبهم المقدسة: "وإذا كان على إنسانٍ خطيئةٌ حقها الموت، فَقُتِلَ وَعَلَّقْتَهُ على خشبة، فهو ملعونٌ لأن المعلق ملعون من الله؟ (1) (تثنية: 21: 22 - 23)
(السابع) قال الإمام أبو حيان الأندلسي في المحيط عن إلقاء شبه المسيح - عليه السلام - على رجلٍ آخر "أما أن يُلقى شبهه على أحدٍ فلم يصح ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك قال الإمام الرازي في تفسيره الكبير".
فالأمر الحق هو أن المسيح - عليه السلام - ما رفع إلى السماء حيًا بجسده العنصري، وما أُلقي شبهه على أحد، بل عُلِّق على الصليب وتحمل مصائب الصليب وأوذي أشد الإيذاء، ولما أنزل منه كان في حالة الإغماء إلى درجة حتى خيل إلى البعض أنه مات! وبعدما أفاق وخرج من المقام الذي كان وضع فيه بقي في تلك البلاد مختفيًا إلى أن هاجر منها إلى الهند، وألقى عصا تسياره في أرض كشمير، ومات فيها ودفن هناك وقبره يزار إلى يومنا هذا.

الدليل الثاني

أن المسيح - عليه السلام - ينزل عند قرب القيامة لقوله تعالى} وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (الزخرف: 62)

الجواب

(1) النص حسب العهد القديم: وإذا كان على إنسانٍ خطيئةٌ حقها الموت، فَقُتِلَ وَعَلَّقْتَهُ على خشبة، فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأن المعلق ملعون من الله؟

(1) إن هذه الآية لا تدل على حياته ونزوله من السماء أبدًا، لأن الله تعالى قال"وإنه لعلم للساعة" وما قال "إنه سيكون علمًا للساعة"، فالآية تدل على أنه عِلْم للساعة من وجه كان حاصلاً له في الوقت نفسه لا أنه يحصل في المستقبل، وإلا فلا يصح الخطاب للكفار بقوله "فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم"، لأن الأمر الذي لم يحصل بعد كيف يكون دليلاً للممترين؟ أما الوجه الحاصل له فهو تولده من غير أب. وتفصيل هذا الإجمال أن فرقةً من اليهود - أي الصدّوقيين كما ورد في مرقس الإصحاح 12 - كانوا كافرين بوجود القيامة، فبكَّتَهم الله وجعل ولادة المسيح من غير أب آية لهم على وجود القيامة، وإليه أشار الله تعالى في آية {وإنه لعِلْمٌ للساعة} وكذلك في آية {ولِنجعَلَنه آيةً للناس}.
(2) أن المسيح - عليه السلام - كان علمًا لساعة انقراض النبوة من بني إسرائيل؛ لأن الله تعالى نزع منهم النبوة وأعطاها لبني إسماعيل ولذلك قال لهم المسيح - عليه السلام - "لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره. ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه." (مَتَّى 21: 43 - 44). فلا ذكر فيها لنزوله مرة ثانية.
(3) قال الحسن وجماعة من العلماء: وأنه أي القرآن لعلم للساعة (راجع معالم التنزيل ومجمع البيان وروح المعاني) ومن هذا يظهر أن المفسرين ذهبوا إلى أن الضمير في أنه لعلم للساعة يرجع إلى القرآن. ولا شك في صحة هذا المعنى أيضًا: فإن القرآن أحيا خلقًا كثيرًا من الأموات من حيث الروحانية وبعثهم من القبور. فهذا البعث الروحاني دليلٌ على البعث الجسماني أي على القيامة، فالحاصل أن الآية {وأنه لعلم للساعة} لا تدل على نزول المسيح من السماء أبدًا بل تفحم المنكرين بدليل موجود ثابت، فلهذا قال {فلا تمتُرُنَّ بها واتبعونِ هذا صراطٌ مستقيم}.

الدليل الثالث


{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران: 47)
استدل المفسرون بهذه الآية على نزول المسيح - عليه السلام - من السماء مستندين إلى أنه رُفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ولم يبلغ الكهولة، فيكون كهلاً بعد نزوله من السماء.

الجواب

أن هذا الاستدلال باطل لوجهين:
(الأول) أن القول بعدم جواز استعمال لفظ الكهل في حق ابن ثلاث وثلاثين سنة باطل من حيث اللغة، لأن الكهل في اللغة هو من كانت سنو عمره بين الثلاثين والخمسين تقريبًا (المنجد). فالمسيح - عليه السلام - كان بلغ الكهولة؛ إذ مكث في هذه الدنيا أكثر من ثلاثين سنة حسب أقوال المفسرين، فلهذا لا يرجع إلى الدنيا مرة أخرى، ثم ورد في الحديث الشريف "عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة في مرضه الذي توفي فيه "أن عيسى بن مريم عاش عشرين ومائة سنة وإني لا أراني إلا ذاهبًا على رأس الستين" (كنز العمال ج6 ص120، وتفسير ابن كثير ج2 ص242). وأخرجه الطبراني والحاكم أيضًا بسند رجال ثقات (راجع صفحة 8 من حجج الكرامة للسيد صديق حسن).
هذا وقد عزا بعض الناس تفاسير باطلة إلى الصحابة رضي الله عنهم، كما قال الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله: "هذه التفاسير الطوال التي أسندوها إلى ابن عباس غير مرضية ورواتها مجاهيل" (الإتقان: الجزء الثاني صفحة 188).
(الثاني) قال الحافظ ابن قيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد): "وأما ما يُذكر عن المسيح أنه رُفع إلى السماء وله ثلاث وثلاثون سنة فهذا لا يُعرف له أثر متصل يجب المصير إليه" الجزء الأول صفحة 27.

الدليل الرابع

قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (النساء 160).

وفي الحديث: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها. ثم يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فاقرؤوا إن شئتم: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا. (صحيح البخاري ج2 باب نزول عيسى بن مريم).

الجواب

إن هذه الآية أيضًا لا تدل على حياة المسيح - عليه السلام - لوجوه:
(1) اختلف المفسرون في ضمير (موته) فقد ورد في تفسير الجلالين: "قبل موته (أي الكتابي حين يعاين ملائكة الموت فلا ينفعه إيمانه، أو قبل موت عيسى لما ينزل قرب الساعة"، فإذًا الضمير الوارد في (موته) ليس بمختص بعيسى - عليه السلام -.
(2) جاء في قراءة أبي بن كعب {قبل موتهم} كما ورد في تفسير الكشاف للزمخشري: "وتدل عليه قراءة أبي {إلا ليؤمنن به قبل موتهم} على معنى وإن منهم أحد إلا ليؤمنون به قبل موتهم". فثبت من هذه القراءة أن ضمير (موته) لا يرجع إلى عيسى - عليه السلام - بل يرجع إلى أهل الكتاب.
وأما أبي بن كعب رضي الله عنه فهو أحد الأربعة الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة أن يأخذوا القرآن منهم كما جاء في صحيح البخاري: "حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة .. قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأُبيّ بن كعب. (الجزء الثاني: مناقب أبي بن كعب رضي الله عنه).

(3) قد اختلف المفسرون في مرجع ضمير (به) أيضًا. فقال بعضهم إن هذا الضمير راجع إلى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقال بعضهم إنه راجع إلى الله تعالى، وقال بعضهم إلى عيسى - عليه السلام -، فورد مثلا في تفسير الجلالين: " (وإن) ما (من أهل الكتاب) أحد (إلا ليؤمننّ به) بعيسى (قبل موته) أي الكتابي". وفي (معالم التنزيل): "عن عكرمة أن الهاء في قوله ليؤمنن به كناية عن محمد - صلى الله عليه وسلم -، يقول لا يموت كتابي حتى يؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -: وقيل راجع إلى الله - عز وجل - يقول وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بالله - عز وجل - قبل موته عند المعاينة حين لا ينفعه إيمانه". وفي (روح المعاني): قيل الضمير الأول لله وأيضًا إنه لمحمد - صلى الله عليه وسلم -.
إن هذا الاختلاف المذكور في تعيين مرجع الضمير يدل على أن حياة المسيح - عليه السلام - لا تثبت من هذه الآية، ولو فرضنا صحة المعنى بأن اليهود كلهم يؤمنون بعيسى - عليه السلام - قبل موته للزم أن يبقى جميع اليهود إلى نزول المسيح - عليه السلام - أحياء سالمين؛ لأن أمر إيمان اليهود كلهم لا يتم بحياة المسيح - عليه السلام - فقط، بل بحياة كفار بني إسرائيل كلهم من أول الزمان إلى يوم القيامة أيضًا. ومعلوم أن كثيرًا من اليهود قد ماتوا ودفنوا ولم يؤمنوا بعيسى - عليه السلام -، فكيف يصح أن يقال أن اليهود كلهم يؤمنون بعيسى - عليه السلام - قبل موته؟ فلا شك أن هذا المعنى باطل بالبداهة.

(4) إرجاع الضمير في (موته) إلى عيسى - عليه السلام - يستلزم الاختلاف في القرآن المجيد لأن الله تعالى يقول: {وَجَاعِلُ الذِينَ اتبَعُوكَ فَوْقَ الذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (آل عمران: 56)، أي أن أتباع عيسى - عليه السلام - واليهود يبقون إلى يوم القيامة، وأن متبعي عيسى - عليه السلام - يكونون ظاهرين على الذين كفروا بالمسيح - عليه السلام - من بني إسرائيل إلى يوم القيامة. ومن المعلوم أن كون اليهود مغلوبين إلى يوم القيامة يقتضي وجودهم وبقاءهم وكفرهم إلى يوم الدين، فكيف يؤمن جميع أهل الكتاب بعيسى - عليه السلام - وقت نزوله مرة ثانية؟ وإن هذا الاستدلال مردود بآيات أخرى أيضًا، منها: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلا مَنْ رَحِمَ رَبكَ} (هود 119 - 120) وقال الله تعالى في حق أهل الكتاب خاصة: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (المائدة: 65). وهذا الأمر بديهي بأن القول بإيمان جميع أهل الكتاب بالمسيح - عليه السلام - يوجب الاختلاف في القرآن المجيد، والقرآن المجيد منزه عن الاختلاف لقوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} (النساء: 83)، فثبت أن إرجاع الضمير في (موته) إلى عيسى - عليه السلام - باطل.
والتفسير الحقيقي لهذه الآية - الذي لا ينكره عاقل - هو: إنْ منْ أهل الكتاب إلا ليؤمنن بصلب المسيح وقتله قبل موته أي قبل موتهم كما هو الأمر الواقع. فكل يهودي ونصراني يعتقد بموت المسيح على الصليب اعتقادًا جازمًا لأهوائهم الفاسدة وأغراضهم الباطلة. فاليهود يعتقدون بقتله ليثبتوا أنه كان كاذبًا ملعونًا - معاذ الله - لا علاقة له بالله.

والمسيحيون يعتقدون بموته على الصليب ليثبتوا أنه صار فدية لهم وصار ملعونًا لأجل معاصيهم لينقذهم من لعنة الناموس. ولا يمكن لكتابي أن يبقى كتابيًا إذا لم يعتقد بهذه العقيدة الفاسدة. والمسيح - عليه السلام - يكذبهم ويكون شهيدًا عليهم لا لهم، لأن اعتقادهم هذا خلاف الحقيقة ومبني على الظن لا على اليقين، ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِن الذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَك مِنْهُ} (النساء 158) فنفى بذلك الكذب واللعنة عن المسيح - عليه السلام - وطهره من مزاعم اليهود والنصارى وجعله زكيًا.
وأما ما ورد في الحديث "فاقرؤوا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا" فإن هذه الألفاظ ما تكلم بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هذا اجتهاد أبي هريرة رضي الله عنه من الآية، وهذا الاجتهاد مخالف للقرآن المجيد كما مر آنفًا فكيف نقبله؟ وقال الأئمة الأصوليون عن أبي هريرة رضي الله عنه ما نصه: "القسم الثاني من الرواة هم المعروفون بالحفظ والعدالة دون الاجتهاد والفتوى كأبي هريرة وأنس بن مالك. فإذا صحَّت رواية مثلهما عندك فإن وافق الخبر القياس فلا خفاء في لزوم العمل به وإن خالفه كان العمل بالقياس أولى" (أصول الشاشي: طبعة دلهي، صفحة 82). ولأجل ذلك قال صاحب التفسير المظهري في تفسير الآية وتأويل استشهاد أبي هريرة رضي الله عنه: "تأويل الآية بإرجاع الضمير الثاني إلى عيسى - عليه السلام - ممنوع. إنما هو زعم من أبي هريرة ليس ذلك من شيء في الأحاديث المرفوعة. وكيف يصح هذا التأويل مع أن كلمة إن من أهل الكتاب شامل للموجودين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - البتة .. ولا وجه أن يراد به فريق من أهل الكتاب يوجدون حين نزول عيسى - عليه السلام -.

الدليل الخامس


تدل الروايات الآتية على أن المسيح - عليه السلام - يرجع إلى الدنيا ويُدفَن في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(1) عن عبد الله بن سلام قال يدفن عيسى بن مريم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون قبره رابعًا.
(2) عن عائشة رضي الله عنها بأنها قالت: يا رسول الله إني أراني أعيش بعدك أفتأذن لي أن أدفن إلى جنبك؟ فقال: أنّى لك بذلك الموضع ما فيه إلا موضع قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى ابن مريم (منتخب كنز العمال).
(3) عن عبد الله بن عمر قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمسًا وأربعين سنة ثم يموت فيدفن معي في قبري فأقوم أنا وعيسى بن مريم في قبر واحد بين أبي بكر وعمر.

الجواب

أما قول عبد الله بن سلام: "يُدفن عيسى ابن مريم مع رسول الله إلخ" فغيرُ مُسَلَّّم كما ورد في كتاب "كوثر النبي" كتاب في علم أصول الحديث: ويشترط أن لا يكون الصحابي ممن يأخذ من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه وجد في وقعة اليرموك كتبًا قديمة فكان يحدث بعجائبها، وربما قال أصحابه حدِّثنا عن رسول الله ولا تحدثنا عن الصحيفة.

وأما حديث عائشة رضي الله عنها فمفترى عليها وضعه الكذابون ونسبوه إليها كذبًا وزورًا، لأن هذا الحديث رواه صاحب كنزل العمال وضعَّفه، ويخالفه ما رواه البخاري ما نصه: "عن عمرو بن ميمون الأزدي قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا عبد الله بن عمر اذهب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقل يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام ثم سلها أن أدفن مع صاحبي قالت كنت أريدها لنفسي فلأوثرنه اليوم على نفسي. فلما أقبل قال له ما لديك؟ قال أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع فإذا قبضت فاحملوني ثم سلموا ثم قل يستأذن عمر بن الخطاب. فإن أذنت لي فادفنوني وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين" (صحيح البخاري الجزء الأول باب ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما).
أفلا يدل قول عائشة رضي الله عنها (كنت أريده لنفسي فلأثرونه اليوم على نفسي) وقول عمر رضي الله عنه (فإن أذنت لي فادفنوني وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين) على أنه لم يكن في علم الصحابة وعائشة رضي الله عنها ما رواه الرواة من دفن عمر وعيسى ابن مريم في حجرة عائشة رضي الله عنها.

وأما إذا حملنا الحديث الثالث على الظاهر فإنه يخالف ما ورد في البخاري كما مر آنفًا لأن الحديث (فيدفن معي في قبري فأقوم أنا وعيسى بن مريم في قبر واحد بين أبي بكر وعمر) مروي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما ومعلوم أن عمر رضي الله عنه أرسل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى عائشة رضي الله عنها كي يستأذنها أن يدفن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرتها، وإذا كان عبد الله بن عمر يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال "فأقوم أنا وعيسى ابن مريم في قبر واحد بين أبي بكر وعمر" لما سكت ولأجاب والده عمر رضي الله عنه لماذا ترسلني إلى عائشة رضي الله عنها وقد صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن تدفن معه؟ ولما قال عمر رضي الله عنه "فإن أذنت لي فادفنوني وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين." وفوق ذلك لا يوجد في الحجرة موضع قبر آخر كما روى الإمام مالك رضي الله عنه "عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فقصصت رؤياي على أبي بكر فسكت فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفن في بيتي قال أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها (تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك: كتاب الجنائز باب ما جاء في دفن الميت، الجزء الأول صفحة 231).
(الثاني) وفي حديث آخر قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنا أول من تنشق الأرض عنه ثم أبو بكر ثم عمر ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي ثم أنتظر أهل مكة حتى أحشر بين الحرمين (الفتح الكبير الجزء الأول صفحة 271). فأين ذكر عيسى - عليه السلام -؟ أما يثبت من هذا أنه لا يعود مرة أخرى إلى هذه الدنيا.

الدليل السادس

أن لفظ النزول قد استعمل للمسيح - عليه السلام - في الأحاديث فلهذا هو ينزل من السماء.

الجواب


أولاً ـ لما ثبت بالأدلة القرآنية والحديثية، أن المسيح - عليه السلام - قد مات وأن الموتى لا يرجعون إلى هذه الدنيا أبدًا، فلا يجوز أن يفسر لفظ النزول بمعنى النزول من السماء بالجسد العنصري.
ثانيًا ـ قد استعمل لفظ النزول للدجال، كما ورد في البخاري "يأتي الدجال وهو مُحرَّم عليه أن يدخل نقاب المدينة ينزل بعض السباخ بالمدينة، (صحيح البخاري، كتاب الحج، باب لا يدخل المدينة دجال). فهل ينزل الدجال من السماء؟!
ثالثًا ـ قد استعمل لفظ النزول في الأحاديث للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللصحابة "عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أشهر الحج وليالي الحج فنزلنا بسرف قالت فخرج إليه الصحابة (صحيح البخاري، كتاب الحج)، "وإن كان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية" (صحيح البخاري، كتاب المغازي).
رابعًا ـ كذلك استعمل لفظ النزول للمهدي - عليه السلام - فهل هو ينزل من السماء؟ والحال أن المسلمين يعتقدون أنه سيولد من أبوين، وقد ورد عنه: "وفي حديث أبي هريرة ينزل المهدي فيبقى في الأرض أربعين (النهاية لابن الأثير، الجزء الأول صفحة 14).

خامسًا ـ قد ورد لفظ النزول في القرآن المجيد لأشياء شتى يقول الله تعالى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (الزمر 7). {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} (الأعراف 27) وكل واحد يعرف بأن البقر والحمير والجواميس والغنم لا تنزل من السماء، وكذلك اللباس يُتَّخَذ من الصوف والقطن والحرير وغير ذلك، وكذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (الحِجر 22). ثم يقول الله تعالى: {هُوَ الذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزلُ لَكُمْ مِنَ السمَاءِ رِزْقًا} (غافر: 14). فانظر كيف استعمل لفظ النزول في هذه الآية مع لفظ السماء أيضًا، وهل رأى أحد من الناس الرزق نازلا من السماء؟ كلا! بل يُتَّخذ الرزق من القمح والأرز والشعير وغيرها من نبات الأرض، فكما أن هذه الأشياء تنزل من السماء بتوسط علل وأسباب أرضية وتحدث وتتولد في الأرض، فهكذا يولد المسيح الموعود - عليه السلام - في هذه الأرض بتوسط أبويه بقوة الله الروحانية لا بحسب الظاهر نازلا من السماء كما زعم الزاعمون، ولذلك عبر عن مجيئه بلفظ النزول، إن الله تعالى يقول في حق محمد - صلى الله عليه وسلم -: {قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ} (الطلاق 11 - 12). ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينزل من السماء بل كان له أبوان من نوع الإنسان.

سادسًا ـ قد جاء لفظ البعث أيضًا للمسيح - عليه السلام - في الأحاديث، وهذا أيضًا يدل على عدم نزوله من السماء: "كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم" (مسلم الجزء الثاني)، "فيبعث الله تعالى عيسى بن مريم (مسلم الجزء الثاني باب في خروج الدجال ولبثه في الأرض). ونفس هذا اللفظ استعمل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسُولا مِنْهُمْ} (الجمعة 3). فلا تنخدعوا - أيها المسلمون - بلفظ النزول كما انخدع اليهود من قبلكم. إنهم كانوا يزعمون أن إيلِيَّا ارتفع إلى السماء وينزل مرة أخرى بجسمه العنصري، وهكذا أنتم تظنون أن المسيح بن مريم ارتفع إلى السماء بجسده وينزل مرة ثانية، وتسلكون مسلك اليهود ولا تفكرون، وتغترّون بالأحاديث الضعيفة وبأقوال المفسرين التي تخالف القرآن المجيد، وتقعون في هوة الضلال كما وقع اليهود من قبلكم، فذاقوا وبال أمرهم، فاعتبِروا يا أولى الأبصار فإن اللبيب الحازم يتعظ بغيره، ولا تُمْسِكوا بظواهر الروايات، فإن اليهود كانت عندهم نصوص أقوى وأوثق مما عندكم عن نزول إيلِيَّا (إلياس) - عليه السلام -، ولكن المسيح الناصري بنفسه أوَّلها حتى أن لفظ السماء كان موجودًا في كتبهم المقدسة المنزلة، ولا يوجد لفظ السماء في القرآن المجيد ولا في الأحاديث الصحيحة في حق المسيح - عليه السلام -. وقد ورد في كتب اليهود ما نصه "فصعد إيلِيَّا في العاصفة إلى السماء (الملوك الثاني 2: 11). و "ها أنا أرسل إليكم إيلِيّا النبي قبل مجيء يوم الرب العظيم (ملاخي 4: 5).

وبما أن اليهود كانوا يعتقدون بأن إيلِيّا ينزل بنفسه من السماء قبل ظهور المسيح في بني إسرائيل، فلما جاء المسيح الناصري كفروا به وقالوا إن إيلِيّا لم ينزل بعد فكيف نؤمن بالمسيح؟ ولكن المسيح - عليه السلام - أوَّل لهم نبأ مجيء إيلِيّا، بأن المراد منه ولادة رجل صالح متصف بصفاته وخواصه لا مجيئه بنفسه، وقال لهم مشيرًا إلى يوحنا - يحيى - عليه السلام - المعمدان ما نصه: "وإن أردتم أن تقبلوه فهذا هو إيلِيّا المزمع أن يأتي! من له أذنان للسمع فليسمع" (متى 11: 14 – 15). وقال مرة: "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء" (يوحنا 3: 13). ولكن اليهود لم يقبلوا تأويل المسيح وكذبوه ولم يؤمنوا بالمسيح، وهم إلى الآن ينتظرون نزول إيلِيّا من السماء بجسده العنصري.
واعلموا أن القرآن لا يجيز لأحد أن يرقى في السموات بجسده العنصري ثم ينزل منها، ألا تعلمون أن الكفار طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم لن يؤمنوا به إلا إذا صعد إلى السماء ويُنزل عليهم بكتاب يقرؤونه دليلا على أنه ذهب إلى السماء، فقال تعالى ردًا عليهم: {قُلْ سُبْحَانَ رَبي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا} (الإسراء: 94). ولو كان الذهاب إلى السماء ممكنًا لبشر مع جسده العنصري لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى أن يصعد إلى السماء أمام أعين الكفار لكي يؤمنوا به، فالأمر الذي لا يجوز لأفضل الرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - كيف جاز للمسيح الناصري - عليه السلام -؟ لأنه أيضًا بشر ورسول، ولو فرض أن عيسى رفع إلى السماء بجسمه للزم أنه ليس ببشر. وهذا خلف!

ورُبَّ قائل يقول إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى السماء مع الجسد ليلة أسري به، فالجواب عنه أنه ما عرج - صلى الله عليه وسلم - بهذا الجسد المادي، بل عرج بالروح فقط، وبصورة رؤيا أو كشف. يقول الله في نفس السورة عن الإسراء: {وَمَا جَعَلْنَا الرؤْيَا التِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلناسِ} (الإسراء: 61). وفي الحديث "واستيقظ وهو في المسجد الحرام" (البخاري، كتاب التوحيد، باب كلم الله موسى تكليمًا). كذلك ورد في زاد المعاد لابن القيم: "عن عائشة ومعاوية أنهما قالا إنما كان الإسراء بروحه ولم يفقد جسده" (الجزء الثاني الصفحة 68). وخلاصة القول إن الإسراء كان بالروح في حالة الكشف والرؤيا، فالحاصل أنه لا يمكن للمسيح - عليه السلام - أن يذهب إلى السماء حيًّا بجسمه العنصري ويرجع مرة ثانية بنفسه؛ لأنه لم ينزل أحد من السماء قط ولن ينزل. والمراد من نزول عيسى - عليه السلام - مجيء رجل آخر من الأمة المحمدية يشبه عيسى بن مريم في صفاته وخواصه وحالاته، وقد ظهر في قاديان بنجاب في الهند باسمِ أحمد المسيح الموعود - عليه السلام ..

وفاة المسيح ابن مريم عليه السلام



إن مسألة وفاة المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - مسألة أساسية بيننا - معشر الجماعة الأحمدية - وبين من لا يؤمنون بالمسيح الموعود - عليه السلام - من المسلمين. نحن نعتقد بأنه توفي كما توفي الأنبياء الآخرون، وقد صرح الله في القرآن المجيد بوفاته أكثر مما صرح بوفاة الآخرين من الأنبياء، لأن الله تعالى كان يعلم أن عددًا لا يستهان به من المسلمين سوف يزعمون بحياته في وقت من الأوقات ويؤيدون النصارى في عقيدتهم بأن المسيح كان إلهًا ولم يكن بشرًا كبقية الرسل والأنبياء. فها نحن نذكر ههنا من القرآن المجيد، الآيات الدالة على وفاته ليتدبر العقلاء ويعرفوا الحق المستبين.

الآية الأولى

{وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَما تَوَفيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُل شَيْءٍ شَهِيدٌ} (سورة المائدة 118)

لا شك أن هذه الآية تدل دلالةً واضحةً على وفاة المسيح ابن مريم - عليه السلام -. لأن السؤال المذكور في ابتداء الآية {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟} إذا سلّمنا كما قال بعض المفسرين لا يكون إلا يوم القيامة بدليل قوله تعالى بعد هذه الآية: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} وبدليل قول المسيح - عليه السلام - {إن تعذبهم فإنهم عبادك}، فإن عيسى - عليه السلام - يقول في جوابه أنه كان رقيبًا شهيدًا على قومه، وأنه لم يفارق قومه إلا بالموت بدليل قوله {وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم} ولم يفارقهم إلا بالوفاة لقوله {فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} والمسيح لم يعلم أبدًا بأن النصارى كفروا وضلوا بعد أن فارقهم واتخذوه إلهًا، فلو كان رجوعه من السماء محتملاً لعلم ضلالهم وكفرهم واتخاذهم إياه إلهًا. ومن المعلوم أن النصارى اتخذوا المسيح إلهًا قبل نزول القرآن المجيد كما أشار الله تعالى إليه في الآية: {لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُواْ إِن اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} سورة المائدة. وما زالوا يتخذونه إلهًا. ومن المتفق عليه أنه يأتي لإبطال ديانة النصارى خاصةً، فكيف يصح جوابه بأنه لا يعلم شيئًا من أمرهم أصلا، فلا ريب في كون الآية المذكورة صريحة الدلالة على موته، وقد استشهد بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المذكور في البخاري ولم يُرِدْ من لفظ التوفي الوارد في الآية إلا الموت كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه: "قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاء برجال من أمتي ...

ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ هُمْ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ." (صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب واذكر في الكتاب مريم).
فكما أن الارتداد في الصحابة حصل بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك الارتداد في النصارى حصل بعد وفاة عيسى - عليه السلام -. فلو سلمنا أن المسيح - عليه السلام - حي في السماء بجسده العنصري ثم ينزل منها ويشاهد بنفسه أن النصارى اتخذوه إلهًا، فلا شك أن جوابه المذكور في الآية يوم القيامة يكون كذبًا وخلاف الحقيقة. ولا يمكن لنبي أن يكذب أمام الله تعالى يوم القيامة.

الآية الثانية

{إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِني مُتَوَفيكَ وَرَافِعُكَ إِلَي وَمُطَهرُكَ مِنَ الذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الذِينَ اتبَعُوكَ فَوْقَ الذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (سورة آل عمران: 55)

إن التوفي إذا كان من باب التَّفَعُّل وكان المتوفي (الفاعل) هو الله أو أحدٌ من ملائكته، والمتوفى (المفعول به) من ذوي الأرواح، وليس ثمة قرينة صارفة عن المعنى الذي وضع له - كالمنام أو الليل مثلا - فليس معناه سوى الموت وقبض الروح. ولا يوجد في القرآن المجيد ولا في الأحاديث ولا في اللغة العربية ولا في دواوين الشعراء ولا في كتب نوابغ العرب مثال واحد يدل على غير الموت في مثل هذا التركيب. وكفاك بعض أمثلة من القواميس والقرآن المجيد والأحاديث.
توفى الله فلانًا أي قبض روحه (أقرب الموارد).
توفاه الله أي قبض روحه (القاموس المحيط).
توفاه الله: إذا قبض نفسه (لسان العرب)
توفاه الله أماته. توفي فلان: قبضت روحه ومات (المنجد)
يقول الله تعالى:
{وَالذِينَ يُتَوَفوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} (سورة البقرة)
{وَتَوَفنَا مَعَ الأبْرَارِ} (سورة آل عمران)
{تَوَفنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصالِحِينَ} (سورة يوسف)
وفي الأحاديث:
"عن عائشة رضي الله عنها قالت تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي" (البخاري، المغازي، باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته).
"فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفن في بيتها" (تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك الجزء الأول صفحة 231)
"من توفيته منا فتوفه على الإيمان" (مصنف ابن أبي شيبة).
وفي البخاري "قال ابن عباس متوفيك مميتك (الجزء الثالث كتاب التفسير: تفسير سورة المائدة).
فما استعمل لفظ التوفي في الأمثلة السابقة إلا بمعنى قبض الروح فقط، ولا يوجد له استعمال أبدًا بمعنى الرفع إلى السماء بالجسد العنصري.

وأما قول بعض الناس أن الواو لا تقتضي الترتيب في هذه الآية، ورافعك مقدَّم ومتوفيك مؤخَّر، فيستلزم التحريف في كلمات الله، كاليهود الذين كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ومن ذا الذي يجترئ أن يقدم آيةً ويؤخر أخرى ويبدل ترتيب الله مع أن الله بنفسه رتب القرآن كما قال {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلهُمْ يَتَذَكرُونَ} (سورة القصص)
يقول العلامة أبو القاسم راغب الأصفهاني في معنى هذه الآية (وقوله - عز وجل -: ولقد وصلنا لهم القول أي أكثرنا لهم القول موصولاً بعضه ببعض (المفردات صفحة 546).
وورد في الحديث: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الركعتين، قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله، أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه (صحيح مسلم الجزء الأول باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي جامع الترمذي "نبدأ بما بدأ الله به: كتاب الحج، باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة، وكتاب التفسير: تفسير سورة البقرة).
فانظر كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما خالف ترتيب الله، فلا يحق لأحدٍ من المفسرين أو غيرهم أن يغيروه، فإن ترتيب الله أحق وأحرى أن يُتبع.

وأما لفظ الرفع في آية {وَرَافِعُكَ إِلَي} و {بَل رفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ} فلا يقتضي صعود المسيح إلى السماء حيًا بجسده العنصري، لأن الناس يدَّعون بثلاثة أشياء ولا وجود لها في كتاب الله تعالى. وهي: الحياة والسماء والجسد. فكيف تتحقق دعواهم؟ فالرفع هنا رفعة المقام والدرجات والتشريف والتقريب إليه روحيًا لا جسديًا، لأن الله تعالى ليس بمتحيز في مكان حتى ترفع إليها الأجساد المادية، بل إنه - سبحانه وتعالى - موجودٌ في الأرض كما هو موجود في السماء وغيرها، لقوله {وَهُوَ اللهُ فِي السمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} (سورة الأنعام). فلا حيز له ولا مكان له، ولا يكون معنى الرفع إذا كان الله رافعًا والإنسان مرفوعًا غير المعنى المذكور كما جاء في النهاية لابن الأثير: "في أسماء الله تعالى: الرافع، هو الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد وأولياء بالتقريب".
وكذلك قال الله تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ} سورة الأعراف، و {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ} (سورة النور)، و {يَرْفَعِ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ} (سورة المجادلة).
وفي الأحاديث: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص: "عسى الله أن يرفعك فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون." (صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء)
وفي موضع آخر: "كل يوم هو في شأن يغفر ذنبًا ويكشف كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين" (صحيح البخاري، تفسير سورة الرحمن).
وفي صحيح مسلم: "قال عمر أما أن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقومًا ويضع به آخرين (باب فضل من يقوم بالقرآن).
و"ما تواضعَ أحدٌ لله إلا رفعه الله" (باب استحباب العفو والتواضع).
والدعاء بين السجدتين في الصلاة: "رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني" (سنن ابن ماجة).
فهل جميع هؤلاء الناس ارتفعوا إلى السماء بأجسامهم المادية؟

ولا يظن أحد أن إدريس - عليه السلام - كان رفع إلى السماء حيًا بجسده العنصري لقوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنهُ كَانَ صِديقًا نبِيًّا، وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيا} (سورة مريم)، لأنه إذا قلنا إن إدريس - عليه السلام - حي في السماء بجسده العنصري فلا يخلو من حالتين: إما أنه ينزل من السماء إلى الأرض ثم يموت، أو يبقى في السماء إلى أبد الآبدين. أما نزوله فلا أصل له ولم يعتقد به أحد. وأما بقاؤه في السماء بجسده العنصري إلى الأبد بدون الموت الجسدي فيخالف الآية الكريمة: {كُل نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (سورة الأنبياء)، وإذا قلنا أنه يموت في السماء فيكون مخالفًا لقوله تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} (سورة الأعراف). فالحق أن الله رفعه روحيًا لا جسديًا كما رفع إليه جميع الأنبياء.
وكذلك لا يوجد في كلمة (إلي) و (إليه) ما يدل على الرفع الجسدي. لقد قال إبراهيم - عليه السلام - {إِني مُهَاجِرٌ إِلَى رَبي} (العنكبوت: 27) وقال: {إِني ذَاهِبٌ إِلَى رَبي سَيَهْدِينِ} (الصافات: 100)، والحال أنه لم يُرفع إلى السماء، بل ذهب إلى الشام كما ذُكر في تفسير هذه الآية في تفسير الجلالين: {وَقَالَ إِني ذَاهِبٌ إِلَى رَبي} مهاجر من دار الكفر {سَيَهْدِينِ} إلى حيث أمرني ربي بالمصير إليه وهو الشام.
ويقول الصابرون عند نزول المصيبة: {إِنا لِلهِ وَإِنا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: 157) وكقوله تعالى {فَفِروا إِلَى اللهِ} (الذاريات: 51) وفي الحديث: إذا تواضع العبد رفعه الله إلى السماء السابعة": الفتح الكبير الجزء الأول صفحة 95، وكنز العمال الجزء الثاني صفحة 25". فالحاصل أن الرافع إذا كان الله المنزه عن المكان والحيز والجهات، والمرفوع هو الإنسان، فلا يكون معنى الرفعِ الرفعَ بالجسد، وإلا فليأت من كان منكرًا بمثال واحدٍ خلاف هذا.

وأما القول بأن الله توفى عيسى بن مريم - عليه السلام - ثلاث ساعات من النهار أو ثلاثة أيام ثم أحياه ورفعه إلى السماء فليس بثابت من القرآن ولا من الأحاديث الصحيحة، بل هو خيال باطل يُروى عن النصارى، يقول الله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} (يس: 32)، {فَيُمْسِكُ التِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى} (الزمر 43). وفي الأحاديث: "يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ قَالَ يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ، فنزلت الآيَةُ {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} (سنن الترمذي، جامع المناقب، وابن ماجة، باب فضل الشهادة في سبيل الله.)
وأيضًا ورد عن رجل ميت: "فجئنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرنا ذلك وقلنا ادع الله يحييه لنا فقال استغفروا لصاحبكم .. وقال لهم اذهبوا فادفنوا صاحبكم" (مشكوة المصابيح عن مسلم: باب ما يحل أكله وما يحرم).

فلا شك أن القول المذكور هو في الحقيقة مأخوذ من عقيدة النصارى لأنهم اعتقدوا بأن المسيح - عليه السلام - مات على الصليب ثم قام من القبر بعد ثلاثة أيام ثم رفع إلى السماء حيًا وجلس عن يمين الله تعالى وينزل في آخر الزمان مع الملائكة بكل قوة وشوكة ويغلب جميع الناس، وأما نحن فنقول كما يظهر بكل وضوحٍ من الآية القرآنية بأن المسيح - عليه السلام - كان عُلِّق على الصليب ولكنه لم يمت عليه وأوذي كما أذوي جميع الأنبياء، كما أن إبراهيم - عليه السلام - ألقي في النار ولكن نجّاه الله من النار، وكما أن سيد الرسل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أوذي أشد الإيذاء حتى أغمي عليه يوم غزوة أحد من شدة ما أصابه من أيدي الكفار، كذلك المسيح بن مريم - عليه السلام - علق على الصليب وتحمل الأذى بضع ساعات ولما أنزل منه كان مغشيًا عليه، وعصمه الله من لعنة الموت الصليبي وجعله مقربًا طبق وعده إياه، وأعلن اليهود قتله مع أنه لم يكن ميتًا في الحقيقة ولكن شُبه لهم بالمقتول والمصلوب، وذهب إلى بلاد أخرى وعاش فيها.
كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة وإني لا أراني إلا ذاهبًا على رأس الستين" (كنز العمال: الجزء السادس، صفحة 120). وكذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي" (اليواقيت والجواهر، الجزء الثاني، صفحة 24). وكذلك "لو كان عيسى حيًا لما وسعه إلا اتباعي" (شرح الفقه الأكبر صفحة 101). ومات بموته الطبيعي ودفن مثل جميع الأنبياء حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه ليلة المعراج في الموتى مع يحيى - عليه السلام -: "أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حدثهم ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية ... فلما خلصتُ إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة قال هذا يحيى وعيسى" (صحيح البخاري، الجزء الثاني، باب حديث الإسراء).

الآية الثالثة

{وَالذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ، أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (سورة النحل: 20)
إن عيسى - عليه السلام - أعظم من دعي من دون الله، وإن كل من دعي من دونه ونسبَ إليه الخلق أخبر الله تعالى عنهم في هذه الآية بأنهم أمواتٌ غير أحياء ولا يشعرون أيان يبعثون.

الآية الرابعة

{وَمَا مُحَمدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسُلُ أَفَإِن ماتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (سورة آل عمران: 144)
وليس معنى الخلو في هذا المقام غير الموت وقد استعمل لفظ الخلو بمعنى الموت في القرآن المجيد واللغة العربية بكثرة، قال الله تعالى:
{تلك أمة قد خلت} سورة البقرة: الآية 141.
{قد خلت من قبلها أمم} سورة الرعد: الآية 30
{الذين خلوا من قبلهم} سورة يونس: الآية 102
وفي (لسان العرب): "خلا فلان إذا مات".
وخلا الرجل: أي مات (أقرب الموارد).
وقال السموءل بن عاديا:
إذا سيد منا خلا قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول (الحماسة).
ومعناه: إذا مات منا سيد قام مقامه سيد.
فالآية المذكورة تصرح بأن جميع الرسل قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - ماتوا، ومن ضمنهم عيسى - عليه السلام -، وبها استدل أبو بكر رضي الله عنه على وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بدليل أن جميع الأنبياء الذين جاؤوا قبله قد ماتوا. وقال في خطبته التي ألقاها بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"أما بعد، من كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله: {وَمَا مُحَمدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسُلُ ... إلى قوله الشاكِرِينَ}. قال (الراوي): واللهِ لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمعُ بشرًا من الناس إلا يتلوها. فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلّني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات". صحيح البخاري، الجزء الثالث، كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر.
فلما سمع الصحابة استدلال أبي بكر رضي الله عنه بالآية الكريمة بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي كما توفي جميع الأنبياء الذين جاؤوا من قبله، سكتوا ولم يرد أحد منهم على أبي بكر قائلاً بأن استدلالك ليس بصحيح لأن عيسى - عليه السلام - لم يمت وهو حي في السماء ويرجع إلى هذه الدنيا مرة ثانية. فهذا السكوت يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على وفاة جميع الرسل الذين خلوا قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا يكاد يوجد إجماعٌ مثله في الأمة المحمدية.

الآية الخامسة

{وَالسلام عَلَي يَوْمَ وُلِدت وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيا} (سورة مريم: 33)
وإذا سلمنا كما يقول بعض الناس بأن المسيح - عليه السلام - كان رفع حيًّا إلى السماء بجسده العنصري فلا شك أن ذلك اليوم كان يوم سلام له خاص دون أن يشاركه فيه أحدٌ من الأنبياء، وكان لا بد من ذكره، ولكن الأمر الحق هو أن قصة صعوده إلى السماء مخترعة وأنه مات كما مات يحيى - عليه السلام -؛ لأن الله تعالى أيضًا يقول عن يحيى - عليه السلام - {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} (سورة مريم: 15)

الآية السادسة

{ما الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسُلُ وَأُمهُ صِديقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعَامَ} (سورة المائدة: 75)
فالمسيح جاء إلى الدنيا حسب سنة الأنبياء وخلا كما خلوا، والآن هو لا يأكل الطعام، وفي الزمان الماضي كان يأكل الطعام -وكما أن عدم أكل طعام مريم عليها السلام دليل على موتها، فهكذا عدم أكل طعام عيسى - عليه السلام - دليل على وفاته- ولا يمكن لبشر أن يحيا حياةً جسدية بغير طعام كما نصت عليه الآية الواردة في حق الأنبياء عليهم السلام خصوصًا: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} (سورة الأنبياء: 8)

الآية السابعة

{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} (سورة الأعراف: 25)
وتقديم الظرف (فيها) على الفعل (تحيون) يفيد الحصر، والقانون عام يشمل جميع بني آدم، فكيف خرج عيسى بن مريم - عليه السلام - من جملة بني آدم ومن هذا القانون العام ورفع حيًا إلى السماء بجسمه العنصري؟ ويعيش في السماء منذ ألفي عام من دون أكل وشرب خلافًا لما قال الله تعالى في القرآن المجيد: {ألم نجعل الأرض كفاتًا أحياء وأمواتا} (سورة المرسلات، الآية 25: 26) {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} (سورة البقرة: الآية 36).
وهناك آياتٌ أخرى كثيرة وأحاديث عديدة تدل دلالة قاطعة على وفاة المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام -، وأنه لا يعود إلى هذه الدنيا أبدًا، ولو كان من الممكن رجوع نبي من الأنبياء إلى هذه الدنيا لكان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أولى وأجدر بأن يرسل ثانيةً من حيث كماله وفضائله وإرشاده الخلق إلى الهداية، وما دام الله لم يشأ إرجاعه فكيف يرجع المسيح المتوفى؟ ولنعم ما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه يوم وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"كنتَ السوادَ لناظري فعَمِي عليك الناظرُ
من شاء بعدك فليمتْ فعليك كنتُ أُحاذِرُ"

عربي باي