الموقع العربي الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية

السبت، 26 أغسطس 2017

عيسى عليه السلام وانقطاع النبوة - الخليفة الرابع مرزا طاهر أحمد رحمه الله










إن الإيمان بأن آخر الأنبياء .. محمدا - صلى الله عليه وسلم - .. قد جاء وخلا، ثم الجزم بأن عيسى - عليه السلام - سوف ينْزل إلى الأرض نبيا من بعده، هو أمر شديد التناقض، ومن غير الممكن الجمع بين الأمرين معا. إن هذا الخلط بين أمرين غير مرتبطين بعضهما مع بعض .. في الواقع .. قد تم على أيدي بعض علماء العصور الوسطى وبعض المتأخرين، أما في زمن نزول القرآن المجيد وأثناء حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم يخطر ببال أحد أن يربط بينهما.


ولعله من المناسب هنا أن نشرح الخلفية التاريخية لهذا الموضوع حتى يستطيع القارئ .. غير المطلع أو غير المسلم .. فهم ومتابعة الموضوع. إن الآية القرآنية الكريمة التي تصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكونه "خاتَم النبيين" هي إحدى الآيات الهامة في القرآن المجيد، وهي غنية بالعديد من المعاني، وتحتوي على الكثير من الدلالات الهامة. ولكن ليس في أي من هذه المعاني أو الدلالات ما يتعلق من قريب أو بعيد بالصعود المزعوم لعيسى - عليه السلام - إلى السماء. وهكذا فإن ادّعاء بعض كهنة الدين بأن عيسى - عليه السلام - قد رُفع إلى السماء الرابعة، بسبب أن هذه الآية، التي تدل في زعمهم على آخرية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كان من المقدّر لها أن تنْزل من عند الله، لهو أمر باطل وبالغ السخف. فإن الصعود الجسدي المزعوم لعيسى - عليه السلام - إلى السماء لا علاقة له البتة بآية خاتم النبيين، أو بأية آية أخرى في القرآن المجيد. إن الله تعالى لم يذكر قط رفع عيسى - عليه السلام - إلى السماء. والقرآن المجيد بأكمله .. والأحاديث الشريفة للرسول - صلى الله عليه وسلم - .. تُنَزِّه الله تعالى عن هذا السخف حيث تخلو تماما من أية إشارة إلى رفع عيسى إلى السماء، فالرفع كان إلى الله تعالى وليس إلى السماء. وإنها لكذبة صفيقة ما يزعمه كهنة الدين من أن الله تعالى رفع عيسى إلى السماء ليحل المشكلة الناجمة عن آية ”خاتم النبيين“، فهذا افتراء على القرآن المجيد لا أساس له من الصحة. إن أولئك الكهنة هم الذين خلقوا مشكلة، ثم أوجدوا لها حلا ونسبوه إلى الله تعالى. وإنه لعمل قبيح وبغيض حقا أن يربطوا هذا الخيال الذي توهموه بآية من أهم آيات القرآن المجيد. والأسباب التي دفعت كهنة عصور الظلام لهذا العمل .. وهذا الأسلوب الخادع الذي سلكوه في محاولاتهم للربط بين هذه الأمور غير المرتبطة على الإطلاق .. هي الموضوع الذي سنناقشه الآن.


وبعد أن أصبح القارئ على علم بهذه الخلفية، نستطرد الآن في سرد حكاية التهافت اليائس لكهنة الدين. ونأمل أن يستوعب القارئ استيعابا كاملا ما سنوضحه.

بالرغم من أن الصعود المتخَيّل أو النُّزول المتصوّر لعيسى - عليه السلام - لا يرتبطان بتاتا بالإعلان المستقل تماما عن آخرية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن فريقا من رجال الدين لا يزالون يصرون على أن هناك ترابطا لازما بين الأمرين، وأن المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - سوف ينْزل من السماء مرة أخرى، لأنه من المستحيل أن يُبعث نبي جديد بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ولعل التحايل بإحضار نبي قديم إلى الأرض بدلا من بعثة نبي من الأمة للقيام بما تقتضيه الحاجة، قد يبدو حيلة بارعة ومكيدة محكمة، يقبلها البعض من المسلمين السلفيين المقلدين بحماس منقطع النظير، ولكن الإنسان العادي لا يستطيع أن يشاركهم هذا الحماس. فليس هناك من أحد لديه ذَرّة من الإدراك السليم والفكر السوي القويم يقبل أن ينسب هذا الخداع الرخيص والتحايل السقيم إلى الله العزيز الحكيم. إنهم كهنة الدين وحدهم هم الذين يستطيعون أن يقترفوا هذه الحماقة، وهذا بالضبط ما يحاولون القيام به. ولعلهم يظنون أنهم بربط موضوع عودة المسيح بموضوع آخرية الرسول، قد أنقذوا الله من ورطة الإعلان عن انقطاع النبوة قبل الأوان. وهكذا يظن كهنة الدين أنهم قاموا بتخليص الله من معضلة متشابكة من التناقضات. ولا شك أن مثل هذه الآراء هي من بنات أفكار نفر من المولويين من ذوي أنصاف العقول التي يمكن أن تتمخض عنها مثل تلك الأفكار. أما أن يُنسب إلى الله تعالى، الذي هو بكل شيء عليم، أنه قد قرر أن يصف نبيا بأنه آخر الأنبياء، رغم علمه بضرورة مجيء نبي بعده، فهو أمر لا يمكن أن يتصَور عاقل صدوره عن الله .. سبحانه وتعالى عما يصفون.


والتظاهر بالحفاظ على وعد الآخرية المزعوم، باستحضار نبي قديم، بعد وفاة الرسول الأخير، هو عبث مطلق لا يليق بشأن الله تعالى. وهكذا يحكم الْمُلا بحسب عقليته هو الملتوية، ومقاييسه الخرقاء، على أفعال الله تعالى. فهو أولا ينسب إلى الله عز وجل الوقوع في التناقض الفاضح، ثم يأتي هو بذكائه ’الغبي‘ لإنقاذه من هذا التناقض. ولكن هذه المحاولة الوقحة ليست بغير هدف، فهي بالنسبة للمُلا أو كاهن الدين فكرة عظيمة لها العديد من الفوائد.

فهذه المحاولة تنقذ عيسى من الموت المهين على الصليب، وتُخيِّب محاولات أعدائه في إثبات كذبه، ولنا أن نتصور مقدار سخطهم وغضبهم عندما يكتشفون أن عيسى - عليه السلام - قد هرب من بين مخالبهم واختفى في غلالة من الهواء (هذا إذا كان هناك أي هواء في السماء الرابعة التي يزعمون أنه صعد إليها). ولكن الملا بعقليته الفارغة لا يدرك أن هذا الإجراء قد خلق مشكلة أخرى أيضا .. هي متى يعود إلى الأرض ولماذا، إذ من غير المعقول أن يظل جالسا في معزله السماوي إلى يوم الدين. وبالنسبة لله تعالى فليس هناك أية مشكلة على الإطلاق، ولكن المشكلة هي لدى الملا الذي خلقها ليُخفي فيها تناقضه في الإيمان بالآخرية المطلقة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والإيمان أيضا في نفس الوقت بمجيء عيسى - عليه السلام - نبيا من بعده. وهذا هو السبب الوحيد الذي يدفعه لأن يربط بين آية خاتم النبيين، وبين ما تخيله من صعود عيسى - عليه السلام - إلى السماء. وهو يقوم بهذا الربط بأسلوب ماكر ومخادع .. لا يستطيع العامة من الناس كشفه، فهو يصوغ رأيه بالشكل التالي:

1. إن عيسى - عليه السلام - قد صعد إلى السماء لسبب ما، وسوف ينْزل منها في النهاية إلى الأرض.

2. إن مجيء نبي قديم بعد أن ظهر النبي الأخير لا يعد مناقضا لختم نبوته.

3. إن الحاجة إلى وجود نبي في آخر الزمان سوف تتم تلبيتها دون حدوث معضلة أو تناقض في الحكم الإلهي.


هناك من يستطيع أن يقتل عصفورين بحجر واحد، ولكن يبدو أن كهنة الدين يريدون أن يقتلوا ثلاثة عصافير بحجر واحد. غير أنهم .. بنسبة تفكيرهم الملتوي هذا إلى الله تعالى .. فهم في واقع الأمر يعطون أنفسهم حق الحكم وتقرير الأمور بدلا من الله - عز وجل -.

ونحن نرى أنه بتلفيق هذه المغالطة المنافية للعقل، ونسج هذه الأقصوصة الخيالية، فإن أكبر ما يحققه كهنة الدين من مكاسب وفوائد، عدا غيرها من مكاسب، هو الهروب من أية سلطة إلهية يمكن أن تُفرض عليهم. فبالتخلص النهائي من مبدأ بقاء النبوة، وتثبيت مبدأ الآخرية المطلقة وانقطاع النبوة، فإنهم بذلك يضمنون ألا يفقدوا أبدا سلطتهم المطلقة على الجهلة من الجماهير


وعامة الناس. وفكرة أن نبيا بلغ عمره حتى الآن أكثر من ألفي عام سوف يعود يوما ما، تشير ضمنيا إلى ضمان عدم مجيء نبي آخر مرة أخرى أبدا. وبالتالي .. فإن قبضة كهنة الدين سوف تستمر على عامة المسلمين الذين ينظرون إليهم نظرة الاحترام والتبجيل، وبذلك تتواصل سلطتهم الاستبدادية بغير انقطاع.


إن الموتى لا يعودون أبدا من العالم الآخر. فإذا غادروا هذا العالم فإنهم لا يعودون أبدا لزيارته مرة أخرى لكي يبدأوا في الاختلاط والتعامل مع الأحياء. ولم يحدث أبدا أن أعاد الله تعالى أحدا من العالم الآخر إلى هذا العالم مرة أخرى ليستأنف أمور حياته العادية. وعلى ذلك فإن أولئك الذين ينتظرون عودة عيسى - عليه السلام - قد يستمرون في انتظارهم هذا إلى الأبد، ولكنه لن يعود أبدا مرة أخرى. وبإبقاء الأمل في عودته حيا لا يَفقد كهنة الدين زعامتهم وسلطاتهم على العالم الإسلامي. وهكذا يظل عامة الناس تحت رحمة كهنة الدين الذين لا يعرفون أية رحمة، ويظل الناس أسارى لأمل خادع .. هو عودة عيسى - عليه السلام - يحمل إليهم في يديه كأس ماء الحياة. وسوف يستمر الإسلام في المعاناة من الاضمحلال المطرد عاما بعد عام، وقرنا بعد قرن، طوال حكم وزعامة كهنة الدين.

وعند النظر مرة أخرى إلى موضوع عيسى - عليه السلام - مقابل موضوع الآخرية المطلقة للنبوة، نجد أن الحل الذي يقدمه كهنة الدين ليس حلا يمكن الدفاع عنه بأية حال. فاقتراض نبي قديم من أمة موسى - عليه السلام - لمعالجة متطلبات مختلفة تماما في الأمة الإسلامية في آخر الزمان، لا يمكن أن يكون فيه حل مشاكل هذه الأمة على الإطلاق. إذ لا يدرك كهنة الدين أن النبي المقترَض سيكون هو الذي ينتهك حرمة ختم نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس النبي الذي يولد في الأمة الإسلامية ويُبعث فيها ويكون بمنْزلة الابن الروحي لخاتم النبيين.


وبالإضافة إلى ما ذُكر فيما سبق، فإننا يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه في سياق المناقشة الحالية، لا يمكن أن يحدد التعاقب الزماني وحده ما إذا كان نبي ما يُعتبر نبيا قديما أو جديدا. فإذا عاد نبي بنفس صفاته ونفس مهمته التي كان مكلّفا بها خلال مجيئه الأول، فحينئذ يمكن بالطبع اعتبار أن عودته الثانية هي استمرار لمهمته الأولى أو إعادة لمجيئه الأول. ولكن إذا حدث أنه قد تغير تغييرا شاملا فيما يتعلق بصفاته الجسدية، وفيما يتعلق باستعدادته، وأيضا فيما يختص بسلوكه تجاه أعدائه ومخالفيه، فلا يمكن اعتباره نبيا قديما عاد مرة أخرى. أضف إلى كل هذا أن المقام الروحي الذي سوف يشغله، والرسالة التي سوف يكون مكلفا بتبليغها، والمعجزات التي سوف تتم على يديه، والسُّلطة التي سوف تكون له على الناس كافة، كلها تختلف اختلافا كاملا عما كان عليه عيسى - عليه السلام - الذي أنزل الله عليه الإنجيل. ومن المفيد أن نذكر هنا أن عيسى الذي وعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمجيئه يختلف في هويته وصفاته اختلافا كاملا عن عيسى السابق، فعيسى الموعود به لن يكون رسولا إلى بني إسرائيل، وهو لن يكون خاضعا كما كان لأحكام التوراة، ولا لتعاليم الإنجيل الذي جاء به من قبل، ولن تكون مهمته محصورة في بني إسرائيل وحدهم كما كان في السابق. فإذا أصر كهنة الدين بعد كل هذا أنه سوف يكون هو نفسه عيسى النبي الإسرائيلي، فعليهم أن يقروا بأنه لا بد من إعادة تكوينه وتكليفه في جميع العناصر الأساسية من نبوته، قبل مجيئه إلى الأرض مرة أخرى. وإن لم يُعتبر هذا مجيء جديد لنبي جديد، فماذا يكون؟ إن أحدا من كهنة الدين لا يمكن أن يتصور مجيء نبي كهذا في الأمة الإسلامية دون أن يؤثر ذلك على مبدأ الآخرية المطلقة للنبوة. وعلى هذا فليس أمامهم سوى أن يؤمنوا بأن عيسى سوف يعود إلى الأرض بدون حدوث أي تغيير فيه.


حتى إذا ما جاء فسوف يُطعَّم بشجرة الإسلام، ثم يبدأ نموه مرة أخرى كمصلح جديد، مما يجعله مستحقا لأن يكون نبيا مسلما ومرسلا للناس كافة، وأن تشمل رسالته العالم بأجمعه. وحتى في هذه الحالة فسوف يبقى عيسى - عليه السلام - غريبا على الإسلام غير قادر على التخلي عن هويته الإسرائيلية. إن حالته هذه ستكون كالبرعم الذي ينتمي إلى شجرة معينة ويُراد تطعيمه مع شجرة مختلفة ومن نوعية أخرى. فإذا أمكن تطعيم شجرة الموز بشجرة البرتقال، أو أمكن تطعيم شجرة البطيخ بشجرة التوت، فربما يمكن حينئذ تصوّر تطعيم شجرة الأمة الإسلامية بنبي ينتمي إلى أمة أخرى من قبل الإسلام، ولكن بلا جدوى .. فإن نبيا من الأمة الإسرائيلية، حتى ولو أمكن ربطه بالشجرة المحمدية الإسلامية، سوف يظل نبيا من الأمة الإسرائيلية.

وعلى هذا .. وحتى لو أمكن انتقال عيسى - عليه السلام - فعلا إلى عالم الإسلام، فمن المستحيل عليه أن يغير من تعريفه الحقيقي ومن أصله الفعلي. فما زال القرآن الكريم يصرح بكونه نبيا لبني إسرائيل، ويمكن لأي مسلم أن يتحدى دعوته على أساس هذا التخصيص القرآني وحده، وسوف يرفض الناس قبوله أو الإيمان به، وسوف يعترضون على دعوته إياهم، وسوف يسائلونه بأي حق يلغي هذا النص القرآني الذي يقرر أنه ليس سوى نبيا إلى بني إسرائيل وحسب. وما دام القرآن المجيد يحدده ويحصره في أمة بني إسرائيل، فإن تعريفه لا يمكن أن يتغير. فإنه كان .. وسوف يظل .. رسولا إلى بني إسرائيل فقط. يقول تعالى عنه في كتابه العزيز:

{ ... وَرَسُولاً إِلَى بَني إِسْرَائِيلَ} (3 آل عمران: 50)


إننا نعيش في عصر استطاع فيه الأصوليون المتطرفون أن يثيروا مشاعر العامة من الناس، خاصة حول موضوع التكفير. ومن الواضح أن عيسى - عليه السلام - لو عاد إلى هذا العالم، فإن حياته سوف تكون في خطر أشد بسبب هؤلاء المتطرفين .. أكثر مما كان وهو في أيدي اليهود. كذلك فإنه سوف يواجه أخطارا جديدة لم يواجهها من قبل خلال زيارته الأولى. فإن العالم الإسلامي اليوم منقسم إلى فرق ومذاهب .. بعضها لا يعرف معنى التعايش السلمي مع غيرها، أشد مما كان عليه حال الأمة اليهودية في الزمن الماضي.

إن الخطر على حياته سيكون شديدا ومُريعا حيثما نزل في أي دولة إسلامية، هذا بافتراض أنه نزل. فإذا افترضنا أن مهبطه سيكون في إيران، فمن الواضح أنه سيخضع لاختبار عصيب، وتحقيق رهيب، فيما يتعلق بموقفه العقائدي. فهل يؤمن يا ترى بالأئمة الاثني عشر أم أنه لا يقيم لهم وزنا؟ وهل يؤمن بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان أم أنه يَكفر بهم ويُكفّرهم؟ هل يؤمن بولاية الإمام عليّ المتواصلة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بغير انقطاع؟ حتى وإن كانت جميع إجاباته على هذه الأسئلة تتفق مع عقائد الشيعة، فلن يمكنه أن يتفادى الخطر المحدق بحياته بعد، وذلك بسبب مشكلة اختفاء الإمام الثاني عشر الذي تؤمن الشيعة بأنه المهدي المنتظر. وسوف يُتهم عيسى اتهاما سافرا بأنه مدّع كذاب، لأنهم يعتقدون أن عيسى الحقيقي لن ينْزل قبل أن يظهر الإمام المهدي .. إمام الشيعة المقدس، الذي لا يزال مختفيا في مكان ما. وبغير أن يشهد الإمام المهدي على صدق ذلك الذي يدّعي بأنه عيسى، فلا بد من وصمه بالكذب ومُعاقَبته على ادعائه الكاذب بالنبوة.


فإذا تبين أنه يؤيد حق الخلفاء الثلاثة .. أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .. في الخلافة، فإن إدانته سوف تكون أشد وذنبه أكبر، وسوف يُحكم عليه فورا بالكذب وادّعاء النبوة، وفي هذه الحالة يكون موضوع الحكم عليه بالموت هو مجرد اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية التي يقتضيها إصدار فتوى حسب قوانين الشيعة.

أما إذا حدث أنه نزل من السماء في منطقة تخضع لأهل السُّنة بينما كان هو يؤمن بما تؤمن به الشيعة، فإن أهل السُّنة سوف يبعثون بروحه إلى السماء بنفس السرعة التي نزل بها. أما إن لم يكن يؤمن بعقائد أهل الشيعة، فإن حياته لن تكون بعد في مأمن من الخطر، فهناك العديد من الفرق والمذاهب التي تُكفّر بعضها بعضا بين أهل السُّنة، وسوف تطالبه كل فرقة أن يؤيد عقائدها ويعضد ما تؤمن به، وإلا فسوف ترى فيه كذابا مدّعيا للنبوة. ومن الصعب التصور أن يأتي عيسى مؤيدا لعقائد البريلويين أو أن يأتي كوهابي من الأصوليين .. إذا حدث أن هبط في بلد ينتمي إلى إحدى الطائفتين. وسوف يظل التساؤل يلاحقه .. إلى أي من الطائفتين سوف ينحاز؟ وفي أية حال من الحالتين .. سيكون الاختيار بمنْزلة استصدار فتوى بهدر دمه وقتله من علماء الفرقة الأخرى.

ولن يكون هدر دمه هذا بسبب انتمائه إلى فرقة مغايرة فحسب، وإنما سيكون بسبب افترائه على الله كذبا وادعائه الكاذب بأنه نبي من عند الله تعالى، وسوف تكون حجتهم في ذلك أن النبي الصادق لا يمكن أن يحمل عقائد دينية خاطئة. فكل فرقة وكل طائفة سوف تحكم عليه وفق معتقداتها الخاصة، ولن تقبل أية طائفة منهم أن يحكم هو على خطأ معتقداتها.


كذلك سوف تكون هناك معضلة أخرى .. إذ سوف ينشأ سؤال هام .. أي مذهب من المذاهب الفقهية سيتبنى؟ هل يتبع فقه الإمام مالك أم فقه الإمام أبي حنيفة؟ وهل يؤيد صحة فقه الإمام الشافعي أم يأخذ بفقه الإمام أحمد بن حنبل؟ وحيث إنه لم تكن له خبرة سابقة بهذه النِّزاعات الفقهية، فإنه سيجد نفسه حائرا في خضم هذه التعقيدات. ولعله يتمنى في تلك الأثناء لو أنه لم يعد أبدا مرة أخرى إلى هذه الأرض الظالم أهلها! وحتى لو أنه كان مقبولا من الفرقة التي يرتضي أن يلتحف بردائها، فإنه سيكون مرفوضا من الإحدى والسبعين فرقة الباقية. وبالإضافة إلى كل هذا .. ألن يكون دائما وأبدا محلا للرفض والاعتراض من الجميع بناء على الآية الكريمة المذكورة فيما سبق والتي تُقرر وتُؤكد على أنه ليس إلا رسولا لبني إسرائيل؟

ولعل بعض المتطرفين من معارضيه سوف يصيح في وجهه قائلا: ’اذهب إلى حيث مكانك الذي تنتمي إليه، فعليك أن تحلق مرة أخرى في الفضاء، ثم تعدل مكان هبوطك لتنْزل في إسرائيل‘. وقد يتحداه بعض الدهماء ويصرخ أحدهم في وجهه قائلا: ’إن كنت رجلا حقا ولا تخشى أن تواجه محاكمة جديدة، فعد إلى اليهود وبرهن على صدق دعواك وعلى شخصيتك الحقيقية‘.


وإن المرء ليتساءل .. ماذا يفعل الله تعالى هذه المرة حين تنحى الأمور هذا المنحى .. هل يسارع بإرسال الملائكة لينقذوا عيسى - عليه السلام - ويرفعوه مرة أخرى إلى منْزله السماوي، أم يتركه سبحانه ليواجه مصيره بنفسه على أيدي كهنة الدين من المسلمين أو اليهود المتعصبين؟ وهل سيقوم الجنود الإسرائيليون بصلبه مرة أخرى في إسرائيل أم أنه سوف يلقى الموت على يد جلاد مسلم؟ هذا هو السؤال الذي سوف يجيب عليه المستقبل فقط، إذا حدث أن عاد مرة أخرى ليزور هذا العالم الذي نعيش فيه. لقد كانت المهمة التي قام بها في زيارته الأولى يسيرة سهلة بالمقارنة مع المهمة الصعبة التي ينبغي عليه أن يقوم بها في زيارته الثانية، والتي ستكون بحق مهمة مستحيلة.

أما إذا انتحينا منحًى أكثر جدية، فإننّا نود أن نُذَكر القارئ بأنه حينما يتم تفسير الدين بعيدا عن العقلانية، وحين تبتعد العقائد عن العقل والمنطق، فإن كل ما يتوَلد من ذلك هو خرافات وأساطير لا أساس لها. إن الأوصياء والقائمين على أمور الدين .. إذا افتقروا إلى العقلانية .. فإنهم لا ينجحون إلا في تحويل الحكمة الإلهية إلى مهزلة بائسة.


إن العلماء العظام الذين كانوا يعيشون في العصور الوسطى، الذين اجتهدوا بقدر جهدهم وكل طاقاتهم، ولكنهم أخطئوا في فهم المعنى الحقيقي لمثل هذه النبوءات، لهم العذر والمغفرة، فإن العالم الذي كانوا يعيشون فيه يختلف عن عالم اليوم، وكان تصورهم لذلك العالم وإدراكهم للكون الذي يحيط به يقوم على الوهم والخيال. ولكن كهنة الدين المعاصرين الذين يعيشون بعقلية العصور الوسطى، رغم أنهم يعيشون في عالم اليوم، الذي يُعتبر عالم التنوير والعلوم والمعارف، لا عذر لهم في فهم معنى هذه النبوءات بصورة خاطئة. فلا شك أن روح عيسى - عليه السلام - الذي كان نبيا وعبدا مخلصا من عباد الله المخلصين .. قد انتقلت إلى بارئها في الدار الآخرة لتشغل مقامها في عليين مع النبيين، أما تلك الشخصية التي ينسبونها إلى عيسى -


عليه السلام - فليست في الحقيقة سوى شبح من خيال لا يوجد إلا في عقولهم السقيمة. فهل يهتم أحد لو أن شخصية خيالية صُلبت أو قُتلت أو شُنقت ولو ألف مرة. إن الفكرة برمتها للصعود المادي بالجسد العنصري إلى مكان ما في الفضاء، والانتظار هناك معطلا عن القيام بعمل نافع .. إلى ما بعد مرور ألوف من السنين .. ليقوم بمهمة ما في المستقبل حين تبرز الحاجة إلى مجيء نبي .. هي فكرة تستفز العقل السليم وتتحدى الحس القويم. فإذا أضفنا إلى كل هذا سفاهة نسبة كل هذا السخف إلى الله تعالى .. يكون من حقنا أن نتساءل من أي شيء رُكِّبت عقولهم.

عسى أن يتمكن العالم الإسلامي من التخلص نهائيا من هذه الخرافات، ولينصرف هؤلاء المتكهنون الذين أتوا بها، فإن في انقضاء عصرهم حياة الإسلام، وفي نهاية أجلهم بداية لرقي الدين الحق.


وأخيرا .. وليس آخرا .. هناك أيضا اعتراض قوي على فكرة أنه من الممكن إدخال بعض التعديلات على نبي من الأمة الإسرائيلية لكي يصلح لأن يقوم بدور نبي في الأمة الإسلامية. فهل نسي كهنة الدين أنه خلال غياب عيسى - عليه السلام - عن الأرض، لم ينْزل الله تعالى القرآن المجيد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى عيسى - عليه السلام - في نفس الوقت. وحين النظر إلى الأمر من هذه الزاوية، فإن الكثير من الأسئلة العويصة ستبرز لرجال الدين، وينبغي عليهم أن يقدموا لها إجابات شافية. وأهم هذه الأسئلة ما يتعلق بموضوع دخول عيسى في الدين الإسلامي. والسؤال هنا هو متى علم عيسى - عليه السلام - خلال غيابه عن الأرض أن أعظم الأنبياء صاحب خاتمة الشرائع قد ظهر على الأرض وممن علم؟ وهو بالطبع كان يشهد بأن لا إله إلا الله، فهل شهد في ذلك الحين أيضا بأن محمدا رسول الله، وصار بذلك فردا من الأمة الإسلامية؟ وإذا كان قد صار مسلما فكيف تعلّم ممارسة الشعائر الإسلامية، وهو لا يعلم شيئا من القرآن ولا من سُنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟

كذلك فإن السؤال الهام والحاسم الذي ينبغي الإجابة عليه، هو هل أُنزل القرآن أيضا على عيسى - عليه السلام - مباشرة من الله تعالى عن طريق جبريل - عليه السلام - أم لا؟


فإذا كان القرآن المجيد قد أُنزل علي عيسى بينما كان لا يزال يعيش في الفضاء، فلا شك أنه يُعتبر شريكا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ويشغل نفس مكانته، كما كان هارون من موسى عليهما السلام اللذان كانا يحتلان المكانة نفسها تقريبا، وإن لم يُنَزل عليه القرآن أثناء غيبته عن الأرض، فما عساها تكون طبيعة إيمانه قبل عودته إلى الأرض؟ هل سيكون دينه خليطا من اليهودية والنصرانية في حين قد تم التصريح عن الإسلام أنه هو الدين الأخير وللبشر كافة؟ وهل يا ترى استثناه الله تعالى من الإيمان بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - وسمح له بأن يظل غير مسلم بعد بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ وإن لم يكن الأمر كذلك .. فمن الواجب الإقرار بالنتيجة المنطقية بأنه لا بد أن يكون القرآن قد أُنزل عليه بطريقة ما. وهذا يعتبر مناقضا ومخالفا لنص القرآن نفسه الذي نص على أنه قد {نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّد}.


فهل يقول كهنة الدين إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قام بتبليغ القرآن إلى عيسى - عليه السلام - بدلا من أن يكون جبريل هو الذي أنزله عليه؟ في هذه الحالة تواجهنا مشكلة أخرى، وهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم بتبليغ صحابته شريعة القرآن، ولم يكن هناك من وسيط بينه وبينهم. وكل ما قام جبريل بإنزاله عليه قام هو بتبليغه مباشرة إلى صحابته، ولكن عيسى - عليه السلام -، كما يقول كهنة الدين في العصور الوسطى، كان جالسا هناك في مكان ما في السماوات، ولم تكن هناك أية وسيلة اتصال مباشرة بينه وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وعلى ذلك لا يتبقى لدينا سوى احتمالان لا ثالث لهما: إما أنه كان على غير علم بتاتا برسالة القرآن إلى حين عودته الأخيرة إلى الأرض؛ أو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبلغه القرآن عن طريق الرسائل. ولكن كيف يمكن توصيل الرسائل إليه وهو جالس في مقره السماوي، إلا إذا كان جبريل - عليه السلام - هو الذي قام بهذه المهمة؟ غير أن المشهد الذي ينتج عن هذا الافتراض من السخف بشكل لا يمكن لأي مؤمن صادق أن يقبله ولو للحظة واحدة. إذ كيف يمكن أن يتصور أحد أنه حين يأتي جبريل - عليه السلام - ببعض الآيات القرآنية ويعلمها للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن جبريل يطلب منه أن يعيد عليه قراءة هذه الآيات حتى يقوم بتبليغها إلى عيسى - عليه السلام -، حتى تكون الرسالة من محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا تكون من الله تعالى مباشرة؟


وعودة إلى موضوع اعتناق عيسى - عليه السلام - للإسلام .. فبما أن القرآن لم يُنَزّل قط على عيسى - عليه السلام -، ولو افترضنا أنه آمن بالرسول - صلى الله عليه وسلم - بطريقة غير معروفة، وهكذا يكون قد جاء مبشرا بالإسلام وهو لا يعرف شيئا عن تعاليم الشريعة الإسلامية، ولم يمارس شيئا من شعائر الدين، فيمكن اعتباره في أحسن الأحوال مسلما غير ملتزم .. الأمر الذي قد يُشعر العامة من جمهور المسلمين في أي مكان في العالم بأنهم أفضل منه إسلاما رغم جهلهم. فكيف يَصلح شخص مثل هذا لأن يكون نبيا يحتفي به العلماء والفقهاء في الأمة الإسلامية عند عودته إلى الأرض؟ وهل يا ترى سوف يذهب إلى الإمام المهدي بسرعة لكي يبايعه ويتعلم منه ليتلافَى هذا النقص؟ أم أنه بمجرد دخوله في الإسلام سوف يجلس على كرسي الحكم ليكون هو الحكَم الذي يفصل بين الفرق والطوائف والمذاهب الإسلامية؟ ومتى ستتاح له الفرصة لتعلم شريعة الإسلام، ومن الذي سيقوم بتعليمها إياه بسرعة بالغة حتى يمكن له القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه بالدقة المطلوبة؟

وإذا كان كهنة الدين يصرون على أن الله تعالى قد فوضه ليكون نبيا مسلما عندما كان لا يزال في السماء قبل نزوله إلى الأرض، فكيف يمكن اعتباره نبيا قديما من عهد ما قبل الإسلام؟

وخلاصة القول .. إن اقتراض نبي من عهد ما قبل الإسلام يقتضي إما أن يكون عيسى - عليه السلام - قد تم تفويضه كنبي مسلم جديد وهو في السماء بعد مجيء المصطفى ٍ - صلى الله عليه وسلم -، النبي الأخير، أو أنه يكون قد دخل في الإسلام بعد نزوله إلى الأرض، وبعدئذ تم تفويضه ليكون نبيا مسلما.


إن هذه الفكرة شاذة وغريبة بما تحمله من تناقضات، ومن السهل أن يرى الناس عامة أنها خالية تماما من أي منطق، وعارية كلية من أية عقلانية، ومع ذلك فإن كهنة الدين لا يعيرون ذلك أية أهمية، إذ يبدو أن العقلانية والمنطق لا أثر لهما في كيفية فهمهم للنبوءات الدينية. فهم يفهمون تلك النبوءات بشكل حرفي بغير أن يدركوا مدى الإساءة والضرر الذي تسببه هذه الحرفية للإسلام. إن هذا الجنون هو السبب في الخلط والتشويش الذي نراه اليوم مهيمنا على مفاهيم الناس وآمالهم وتطلعاتهم.

يتضح من كل سبق أن فكرة اقتراض نبي يتبع شريعة غير الشريعة الإسلامية، ويأتي من عهد ما قبل الإسلام لا تجدي نفعا لكهنة الدين. ولا معنى لإصرارهم العنيد على تفضيلهم اقتراض نبي قديم من الأمة الإسرائيلية .. يأتون به من السماء إلى الأرض .. ويدخلونه في دين الإسلام، بدلا من أن يولد نبي في الأمة الإسلامية يكون من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -. غير أنهم يفعلون ذلك لأنهم يرون الكثير من الفوائد لهم في هذه الأقصوصة التي نسجها خيالهم عن زيارة عيسى - عليه السلام - إلى الأرض. فهو باعتبار أنه زائر من الفضاء .. فلن يكون نفس النبي الإنسان كما كان أثناء وجوده في الدنيا، ولكنه سيتمتع بقوى الإنسان الخارق، والتي لم يسمع بها أحد في تاريخ النبوة والأنبياء قبل عودته التي يتخيلونها إلى الأرض.


هذه الصورة الأسطورية لعيسى - عليه السلام - قد خلقتها نزعتهم إلى التفسير الحرفي للنبوءات الدينية. ومن الواضح أنهم لم يكترثوا بالثمن الفادح لحماقة ضربهم بالعقلانية والمنطق عرض الحائط. فقد نسبوا إلى عيسى - عليه السلام - مهمة إنقاذ ما بقي من شرف وكرامة للإسلام في آخر الزمان، وهم يؤمنون بأنه هو الذي سوف يقوم وحده بشن حرب واسعة النطاق ضد المسيح الدجال على النطاق العالمي، وبعد أن يحصره ويهزمه ويقتله .. ذلك المسخ المشوه الأعور .. فإنه سوف يمنح مقاليد الأمور ومفاتح السلطة والسلطان للمسلمين، ويقسم بينهم خزائن وكنوز الأرض التي يكون قد استولى عليها. وهكذا .. فإنه سوف يلقي بكل غنائم الحرب التي شنها ضد المسيح الدجال تحت أقدام المسلمين.


وبعد أن يحل جميع المشاكل السياسية والاقتصادية للمسلمين ويزيلها، فإنه سوف يوَجه أنظاره ويصرف كامل جهده في تحقيق النبوءات الخاصة بالدين. فهو سيبدأ بشن حرب من نوع جديد ضد المسيحية، وسوف تكون استراتيجيته في هذه الحرب هي أن يقوم بكسر الصليب .. كل صليب في العالم .. مهما كانت المادة التي صُنع منها. سوف يقوم بزيارة إلى كل كاتدرائية، وكل دير، وكل كنيسة، وكل معبد، وكل صومعة مسيحية، وسوف يمشي في كل طريق، في كل مدينة، في كل ولاية، في كل قطر من أقطار العالم كله، محدّقا في كل من يقابله من المارين، باحثا عن كل صليب. وسوف تكون النساء على رأس قائمة المشتبه بهم، فهو يعلم ما تعودت عليه النساء من نقش الصليب على حليهن ومجوهراتهن، بالإضافة طبعا إلى أنهن يعلقن صلبانا على صدورهن وحول رقابهن، ولذلك سوف ينتزع كل سوار وكل خلخال وكل ما يتدلى من العنق أو الأذن مما يكون على شكل الصليب أو يحمل نقشه. والويل كل الويل للنساء اللاتي يوقعهن حظهن العاثر في طريق عيسى، ولكن أين يمكن لهن أن يهربن أو يختبئن .. هؤلاء البائسات المسكينات؟ إنه سيدخل كل بيت، ويبحث في كل خزانة، وفي كل صندوق للمجوهرات والمصوغات، وسوف يخضع كل حائط وكل ركن لفحصه الدقيق فهو لا بد أن يقوم بكسر كل صليب على وجه الأرض تنفيذا للتفسير الحرفي الذي يفهم كهنة الدين به ما جاء في هذا الخصوص من نبوءات. وهو لن يهدأ ولن يستريح قبل أن يُتم هذا العمل ويُزيل كل صليب من على وجه البسيطة. هذه هي الرؤية التي يرى بها كهنة الدين مهمة المسيح عندما يعود إلى الأرض .. طبعا إذا حدث أن عاد إلى الأرض. ولكن ليس هذا فقط كل ما في الأمر.


فبعد أن ينتهي المسيح تماما من تكسير وتحطيم رمز التثليث، سوف يوجه جميع جهوده لتحقيق مهمة أخرى تخصه بها النبوءات التي جاءت في الأحاديث النبوية .. إذا أُخذت بمعناها الحرفي. فهو لن يدع أية لحظة تضيع منه بغير أن يبدأ بقتل كل من هو غير مسلم من سكان العالم، فإما أن يدخلوا في دين الإسلام أو يكون الموت هو الجزاء الأوفى لهم، وليس لأحد من خيار سوى هذين الخيارين. وهو سيقوم بمهمة القتل هذه بطريقة غريبة وعجيبة، إنه سوف ينفخ ريح نَفَسه على كل كافر .. فيخرج هذا الزفير كما تخرج النيران من فم التنين الضخم كما جاء في الأساطير، مع أن الأساطير لم تذكر مثل هذا النبي من قبل بتاتا .. حتى في أغرب أقاصيص الأساطير الخيالية. وسوف تحرق النيران المنبعثة من ريح نَفَسه ما لا يمكن عدّه ولا حصره من الكفار، حتى ولو كانوا على بعد أميال منه. أما هؤلاء الذين يكونون في نطاق سيفه فإن رؤوسهم سوف تُضرب وتُقطع رقابهم. وهو يستطيع بدون أية صعوبة أن يميز كل كافر لأنه مكتوب على جبينه كلمة "كافر" بحروف واضحة. وهو بذلك لن يترك أحدا على قيد الحياة سوى المسلمين والمسيحيين الذين فقدوا مسيحيتهم بالطبع فلم يعد لهم صليب واحد يتعبدون به. وبذلك سوف يُسدل الستار على هذه المذبحة الفريدة التي يقوم بها هذا المسيح الخيالي، كما يتصور كهنة الدين. وسوف يمتلئ العالم برائحة نتنة، وتزكم الأنوف رائحة الأجساد العفنة التي ذُبح بعضها واحترق بعضها. وهكذا تخلق الكراهية مزيدا من الكراهية، ويؤدي سفك الدماء إلى المزيد من سفك الدماء.


أما آخر الأعمال الدموية التي من المفروض أن يقوم بها المسيح - عليه السلام -، حسب التفسير الحرفي، فهو يتعلق بقتل كل أنواع الخنْزير. فلن يترك عيسى - عليه السلام - أية بقعة من الأرض لتعيش فيها الخنازير، إذ يجب أن يعمل السيف عمله فيها وفي صغارها، ولا يترك منها رأسا ولا عنقا. فبالسيف القاطع في اليد .. وبالنيران الحارقة في النَّفَس .. سوف يزور عيسى - عليه السلام - كل بلد، وكل مدينة، وكل قرية، وكل طريق، وكل منْزل، وكل كوخ، وكل مزرعة، وكل زريبة، بحثا عن مخابئ هذه الأوغاد. سوف يذهب إلى كل بريّة، وإلى كل غابة، ويجول في أحراش أفريقيا، ويبحث عنها في الغابات المطيرة بأمريكا الجنوبية، ولن تنجو الصين ولا اليابان من هذه الحملة، وسوف يقوم بتمشيط الجزر الجنوبية في المحيط الباسيفيكي حيث يعتبر لحم الخنْزير من الأكلات الشعبية.

ومن الواضح بالطبع أنه لم يحدث في تاريخ الإنسانية كلها أن قام نبي بمثل هذه البطولات الدموية القذرة كما يُنسب إلى عيسى - عليه السلام - حسب ما يراه كهنة الدين. فهذا هو ما يمكن أن ينتج عن التفسير الحرفي للأحاديث الشريفة التي نطق بها أبلغ البلغاء وأحكم الحكماء .. ومما يؤسف له أنهم لم يستطيعوا تجاوز جمود الحرف للوصول إلى المعاني الحقيقية التي تحتويها هذه النبوءات.


وفي حقيقة الأمر .. إن المعنى الحقيقي لنبوءة قتل الخنْزير هو القيام بتطهير المجتمع الإنساني من السلوكيات غير الإنسانية وبعض العادات الخبيثة التي يرمز لها الخنْزير. هناك الكثير من الحيوانات والطيور التي تسرق ثمار عمل الفلاح في حقله من أجل الحفاظ على حياتها، ولكنها لا تقوم بتدمير وتخريب الأشجار والمحاصيل لمجرد اللهو. غير أن الخنازير تمتاز وحدها دون جميع الحيوانات الأخرى في ميولها التخريبية. كذلك فإن الخنازير معروفة بطبعها السيئ للخنازير في أكل جثث صغارها الميتة، ولا يوجد حيوان آخر غير الحيوانات البحرية لها هذا الطبع. إن الأسد الذي يترصّد فريسته، والذئب المتوحش، يفضل أن يموت جوعا، ويظل قابعا بجوار صغاره الميتة، دون أن يمر بخاطره أن يلتهم لحومها. والكلاب أيضا لا تأكل جثث صغارها الميتة. ورغم أن الخنازير .. المستأنسة منها والبرية .. هي من الحيوانات آكلة الأعشاب، إلا أنها تستمتع كثيرا بالتهام أجساد صغارها، إشباعا لغريزة دنيئة فيها. وعلى هذا يكون من الواضح أن الرسالة التي تتضمنها نبوءات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الشريفة عن قتل الخنْزير تعني أن ذلك المسيح الموعود سوف يشن حربا مقدسة ضد الغرائز الدنيئة التي تستولي على الإنسان، وتدفعه إلى ارتكاب جرائم الإبادة البشرية على نطاق واسع، وعمليات القتل الجماعي، والتصرف بغير رادع من ضمير أو مبادئ أخلاقية .. مغتصبا حقوق الضعفاء من البشر. إن عادة الخنْزير في أكل صغاره يمكن أن تماثل الاستغلال السيئ للأطفال (child abuse) في العصور الحديثة. وسوء استغلال الأطفال .. جنسيا وغير ذلك .. يمكن أن يكون وقد صار مؤخرا موضوع سوء استغلال الأطفال من الموضوعات الشائع بحثها في المجتمعات الحديثة، ولا يحتاج ذلك إلى تفصيل أكبر، وليس هناك من حيوان يمكن أن يتساوى مع البشر في هذه البشاعة.

إن شن الحرب ضد الشر كانت دائما هي مهمة الأنبياء. ولن يكون المسيح - عليه السلام - استثناء بين الأنبياء إذا فهمنا أن عودته الثانية ليست سوى عودة مجازية. ولكن ذلك المسيح الذي ينتظره كهنة الدين بشكل حرفي .. قاتل الخنازير في القفار والبراري .. هو ذاك الذي يريدونه ويرحبون به. وفي اللحظة التي يصل فيها قُرة عيونهم هذا، ويبدأ مهمته في إبادة جميع أنواع الخنازير من عالم الحيوان، فإنه سيقابَل بالتصفيق والترحيب. وهكذا .. سوف يصفقون له ويلقون عليه قصائد المديح والثناء على أعماله البطولية في أيام مجده الأخيرة التي يقضيها على كوكب الأرض. أما الهتافات فسوف تنطلق عالية مدوية: "عاش المسيح .. عاش المسيح، بالروح .. بالدم .. نفديك يا مسيح". نعم سوف تُدوي هذه الهتافات فوق الأرض وفوق البحر، فوق التلال وفي الوديان. وقد لا تُقرع حينها أجراس الكنائس لتتناغم مع هتافات الجماهير، ولكن هتافات "الله أكبر .. الله أكبر .. عاش مخلصنا ومنقذنا عيسى المسيح" سوف تعلو فوق كل هتاف، وتطغى على كل صوت.


وأخيرا .. وقبل أن يغادر هذا المسيح الأرض للمرة الأخيرة، هناك عمل هام آخر لا بد من إنجازه، حتى يتم تحقيق جميع النبوءات التي قيلت في حقه، ولكنه في هذه المرة سيحتاج إلى المساعدة من كهنة الدين. فقد كان حتى الآن يقوم بتحقيق كل ما يتوقعونه منه، وحان الوقت الآن لكهنة الدين أن يقوموا بمساعدته ولو لمرة واحدة! إن كل ما سيطلبه المسيح من كهنة الدين .. بعد أن قام بغزواته العالمية .. هو أن يعاونوه على إتمام آخر عمل منوط به، وهو أن "يتزوج" لكي "يولد له". فبعد ما خلفه وراءه من تحطيم للصلبان، واغتيال للكفار، وتقتيل للخنْزير، سوف يكون الزواج أمرا محمودا يرحب به الجميع، لإحياء الأفراح .. والليالي الملاح.


وما دام كهنة الدين يرون ضرورة وحتمية التحقق الحرفي للنبوءات، فلا بد أن يبحثوا له عن عروس صغيرة لكي تُنجب له الصبيان والبنات، وتعيش معه في الثبات والنبات. وما دام المسيح على وشك الزواج فلا بد من "شيخ عظيم" يقوم بإلقاء خطبة النكاح، ويسأل والد العروس .. الذي سيكون حما المسيح .. عما إذا كان يقبل تزويج ابنته لعيسى المسيح، وبعدما يرد بالإيجاب يقوم أيضا بسؤال عيسى كذلك لكي تتم إجراءات الزواج. فما أسعدها من لحظات فرح وسرور، وابتهاج وحبور! فبعد عزوف عن الزواج استمر لمدة تزيد عن ألفي عام .. جاءت اللحظة السعيدة أخيرا ليقف ويقول: "نعم يا شيخي الحبيب .. قبلت .. قبلت". وكيف يمكن الاحتفال بغزوات المسيح وانتصاراته بأسلوب أفضل من هذا؟ فمن الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، سوف تنطلق الزغاريد، ومعها أغاريد الابتهاج التي تملأ الأجواء بنغماتها العذبة. وكل ما تبقّى له هو أن ينتظر قدوم وليده البكر، الذي سوف يتبعه مجموعة متتالية من البنين والبنات. وهكذا .. بإنجابه الذرية بعد أن يكون عمره قد بلغ ألفي عام ونيف، يكون قد قام بأداء أعظم المعجزات من بين جميع المعجزات التي قام بها أو نُسبت إليه. لقد كانت روحه قوية صلبة بغير شك، ولكن يبدو أن الجسد أيضا لم يكن أقل قوة وفحولة. فيا لها من معجزة حقا .. أن يجعله مرور الوقت وانقضاء الزمن أكثر قوة وأصلب عودا، ويبدو أن العجز والوهن الذي يوصف به تقدم السن لم يصبه، بل ظل مدفونا في أرض شبابه منذ الزيارة الأولى. ثم أخيرا .. سوف تحل ساعة الفراق التي يأتي بها الموت، وياله من موت! فالسلام عليه يوم مولده، والسلام عليه يوم وفاته.

هذه هي حكاية المسيح التي .. لو تحققت .. سوف يظل كهنة الدين يقصونها على مسامع تلاميذهم في مدارسهم ومعاهدهم الدينية .. عاما بعد عام، وجيلا بعد جيل.


من الصعب حقا أن يجد المرء مثالا أشد بشاعة من هذا .. في تاريخ الأديان قاطبة .. عن الكيفية التي يتم بها تشويه النبوءات الإلهية بهذا الشكل المزري الفظيع، الذي قام به أولئك الذين فقدوا عقولهم من كهنة الدين سواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين. فعندما وحيثما يتولى كهنة الدين القيادة الفكرية في أي دين أو مذهب، فإنهم يقلبون الحقائق إلى خيالات، ويبدلون الوقائع إلى أساطير. وهذا هو الثمن الذي يدفعه الإنسان حين يُسلم مقاليد دينه إلى نظام يفتقد العقل، ويعوزه المنطق، ولا قدرة لديه على التمييز بين ما هو وسيم وذميم. وأيا كانت بضاعتهم التي يتداولونها .. فالعقلانية ليست من ضمنها.

ولعل أشد الحالات سوءًا بين رجال الدين في العالم هي حالة كهنة الدين المسلمين. فإن الآمال العقيمة التي يبنونها في مخيلاتهم لتحقق النصر النهائي للإسلام، تقوم كلها على سوء فهم وأخطاء وإساءة تفسير للنبوءات، إلى أن جعلت منها سرابا وخيالا. إن هؤلاء لا يصلحون لقيادة أية فرقة أو مذهب .. ناهيك عن أن يكونوا قادة الإسلام! وهم في الحقيقة لم يعودوا يصلحون لأن يكونوا أتباعا لأي نبي .. جديدا كان أو قديما.


إن تصورهم العقيم عن تحقق النصر النهائي للإسلام عن طريق قوة المسيح يرفع عن كاهلهم عبء القيام بأي دور يتحتم عليهم القيام به في النضال من أجل تحقيق النصر للإسلام. وفي واقع الأمر .. إن كل ما هم في حاجة إليه ليس نبيا .. وإنما هم في حاجة إلى مارد قوي، يكون تحت تصرفهم وطوع أمرهم. إنهم لا يفهمون أن مسيحا كذلك الذي يتطلعون إلى نزوله من السماء لم يظهر قط في زمرة الأنبياء. ولم يأت في القرآن المجيد، ولا في أي كتاب مقدس آخر، ذكر نبي يقوم بالنضال من أجل تحقيق سيادة قومه بينما هم جالسون لا يحركون ساكنا. إن هذا ما فعله اليهود حين طلبوا من موسى - عليه السلام - أن يذهب هو وربه ليقاتلا بدلا منهم، ولكن طلبهم لم يلق استجابة ولا قبولا. ولو كان من الممكن تحقيق النصر النهائي لأي دين بغير بذل الدماء، وسكب حبات العرق، وتقديم كل غال ورخيص، وكدح وجهد وعناء، لما كان لنبي أبدا أن يطالب قومه بأن يخوضوا غمار بحر التضحيات. إن كهنة الدين يتخيّلون عودة مسيح يماثل الجني الذي يظهر في الأقاصيص والحكايات، وليس المصلح الرباني الذي يظهر في الناس والأمم. إن المشكلة معهم في الحقيقة ليست هي في الاختيار بين جني ونبي .. قديم أو جديد، وإنما هي في الاختيار بين جني ونبي فقط. ولعل مسلكهم هذا يعيد إلى الأذهان قصة قديمة من قصص ألف ليلة وليلة.


إذ يحكى أن ساحرا كان يتخفى في زي بائع متجول في شوارع بغداد، وكان يصيح وينادي بأعلى صوته قائلا: "مصابيح جديدة مقابل المصابيح القديمة .. نستبدل المصابيح القديمة بمصابيح جديدة". واندفعت ربات البيوت إلى أبواب بيوتهن ليستبدلن مصابيحهن القديمة بالمصابيح الجديدة التي يقدمها البائع، وهن سعيدات بهذه الصفقة التي تبدو لهن صفقة رابحة. غير أنه كان هناك استثناء واحد .. إذ لم تكن إحدى ربات البيوت تعلم أنها حين استبدلت مصباحها القديم بآخر جديد .. فإن المصباح القديم كان يحتوي بداخله جنّيا له قدرات خارقة لا نهاية لها. ولم تكن تعلم أيضا أن من يملك هذا المصباح يكون هو سيد هذا الجني. وبالتالي فإن البائع المحتال لم يكن في الحقيقة يهتم بالمصباح نفسه، وإنما كان كل اهتمامه منحصرا في الجني الحبيس داخل المصباح. وإذا أمكن السيطرة على هذا الجني باستبدال مليون مصباح جديد مقابل هذا المصباح الواحد القديم، فليس هناك أربح من هذه الصفقة.

وفي واقع الأمر .. إن كهنة الدين لا يعبئون بمصباح جديد يوقد من نور محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا هم يهتمون بمصباح قديم من أمة بني إسرائيل. إن كل ما يهتمون به هو ذلك المسيح الذي يظنون أنه حبيس النبوءات التي أخطئوا فهمها وأساءوا تفسيرها. ولن يؤثر فيهم أي مصباح إلهي من مصابيح النبوة، فالنبوة لا تعني شيئا بالنسبة لهم. وهم لا يأبهون بنبي، وليسوا في حاجة إلى نبي، فكل ما يحتاجونه هو مارد عملاق يكون في خدمتهم ويحقق أغراضهم، ويستطيع أن يضع تحت أقدامهم كنوز الدنيا عندما يأمرونه بذلك.

إن كل مطامحهم ومطامعهم تنحصر في الهيمنة السياسية والاقتصادية على العالم، رغم أنهم غير مؤهلين على الإطلاق لهذه الهيمنة. وكل ما يحسنون صنعه هو إصدار الفتاوى بتكفير من يخالفهم الرأي من المسلمين، ويفتون بسفك دماء المسلمين، وقتل المسلمين بأيدي المسلمين.


إن أية ثورة دموية في أي بلد إسلامي يكون كهنة الدين من ورائها ينبغي ألا ينخدع بها الناس، فهي لا تستطيع بحال من الأحوال أن تغير ميزان القُوَى في العالم. وإطلاق العنان لأحلام السيطرة على العالم بغير إحراز التقدم العلمي والتكنولوجي هو ضرب من المحال، وعقد الآمال على تغيير موازين القوى في العالم لصالحهم بدون تقوية اقتصادهم .. وتحقيق ثورة في صناعاتهم .. هو ضرب من الخيال. وإعلان التحدي للقوى العظمى في العالم مع افتقاد القُدرة على صناعة أكثر الأسلحة تطورا وتقدما .. هو قمة الجنون. وإن المرء من حقه أن يتساءل .. كيف يمكن لهم بالقليل الذي في أيديهم أن ينجحوا في تحقيق الكثير مما يحلمون به؟


إن على كهنة الدين أن يفهموا أن تشويههم الفاضح للنبوءات التي تحتويها أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لن يمر بغير عقاب، ولن يحقق لهم ولمن يقتادونهم وراءهم سوى الخراب والدمار الشامل. فهذا هو الثمن الذي لا بد أن يدفعوه جزاء وفاقا لما قاموا به من تحريف وتزييف لحكمة الله. فليقبعوا في ركن يليق بهم، وليتابعوا مرور الأيام والليالي وهم في ركنهم قابعون. وليمدوا بأبصارهم نحو السماء، وليصغوا بأسماعهم لسماع صوت أقدام مخلصهم الأسطوري قادما من أغوار الفضاء، وليَطل بهم العمر انتظارا لأمل لن يتحقق، ثم ليموتوا وليهلكوا في يأس يتحقق، هم ومن يليهم من جيل بعد جيل بعد جيل، فلن يأتي أحد حسب خيالهم لينقذهم من الفخ والشرَك الذي نصبته مخيلتهم الملتوية، وخلقته التناقضات بين مثالياتهم القولية وممارساتهم الفعلية. فمع كل لحظة تمر، ومع كل ثانية تمضي، يسارع الخوف من الله بالتضاؤل في قلوبهم، ويتجلى هذا في حياتهم وتعاملاتهم اليومية، حتى صارت الأمانة، والعدالة، والتضحية، والتآلف الأخوي، والمحبة المتبادلة، والاحترام لحقوق الغير، والحفاظ على ممتلكاتهم .. كلها تبدو وكأنها قِيَم من الأيام الخوالي، وهي وإن كانت لا تزال تُذكر بإعزاز في الخطب والمقالات، ولكنها تختفي وتغيب من العلاقات والتعاملات. وما أكثر الكلام والحديث عنها بشوق وحنين، وما أقل أن يظهر لها من تأثير في الدنيا والدين، وما أعظم المحبة والألفة التي يعتزون بها في القصص والروايات، ولكنها تظل حبيسة أسيرة في مخازن الذكريات!


الاختلاس، السرقة، القتل، سوء استغلال الأطفال، الخطف، الفحش، الزنى، الدعارة، الاحتيال، الغش، والخداع .. هي بعض صفات أولئك الذين يمشون وراء كهنة الدين .. يتبعونهم ويتعلمون منهم، أما الفريق الآخر من الناس الذين لا يتبعونهم فهم كمثلهم في فسادهم وفي حلف غير مقدس معهم. الاغتصاب الجماعي يتم في وضح النهار بواسطة نفس أولئك الذين يقومون على شؤون الأمن. وتنتشر الرشوة، والفساد، وانتهاك حرمة القوانين بصفاقة من السادة والكبراء الذين من المفترض فيهم أن يكونوا حماة العدل.


إنه مجتمع يقوم فيه حماة السلام باغتيال السلام، مجتمع تكون الفوضى فيه هي النظام الوحيد المعروف. ومع ذلك فمن الغرابة بمكان أنهم لم يفقدوا تماما الإحساس بالصواب والخطأ. فهو مجتمع يكره الشر والفساد الذي يخلقه بنفسه، ويشمئز مستنكرا من الفظائع التي يرتكبها بيديه، ويستاء بشدة من التلوث الذي ينفثه وينشره بعمله. في كل يوم وفي كل مكان ينتقد الناس الشرور التي يقترفونها، ويشجبون المفاسد التي يرتكبونها. إنهم ينتقدونها بشدة، ويستنكرونها بقوة، ويدينونها بأصوات صاخبة، تعلو نبراتها ويُسمع ضجيجها مدويا من منبر إلى منبر، ويجلجل صداها بين من يدخلون قاعات البرلمانات وبين من يعيشون في أكواخ الفقر. ومع ذلك .. فإنهم في نفس الوقت يحتضنون أعمالهم بإعزاز، ويتمسكون بها بشدة وشغف، ويواظبون عليها في جميع شؤون حياتهم، وعلى كافة مستويات ونوعيات المجتمع! إن أعمالهم تُبرز ما تدينه أفواههم، وهذه هي الكذبة الكبرى التي يعيشونها .. أو يموتون بها .. كل يوم، ولكنهم يسمونها حياة ومعيشة. أين ذهب حماة المثل الإسلامية العليا، وأين غاب حملة مشاعل السلوك الإنساني النبيل؟ هل هناك من يأرق في نومه اللذيذ قلقا على هذه الحقائق المرة؟ ولكن .. لماذا يهتم أحد على أية حال؟ ولماذا يهتم كهنة الدين؟ فالبشرى لهذا المجتمع الذي أرادوا له أن يؤمن بأن ساعة القضاء الإلهي سوف تحل أخيرا .. وسوف يَنْزل المسيح ابن مريم من مقامه السماوي ليرفع المسلمين من الحضيض الذي تردوا فيه إلى قمة السُلطة ويسلمهم زمام القيادة، وهؤلاء هم المنوط بهم أن يبنوا شكل المستقبل، ويصوغوا قَدَر العالم بأجمعه. فليرنم كهنة الدين أغاني النوم للعامة من الناس حتى يغطوا في سبات عميق، إلى أن يحين الوقت الذي ينْزل فيه من السماوات إله العالم الغربي، فينبذ أولئك الذين ينتمون إلى الغرب، ويعلن نفسه نصيرا لهم هم أهل الشرق.


فلماذا يؤرق كهنة الدين أنفسهم بالفساد الأخلاقي الذي تعاني منه قطعان العامة التي يتولون قيادتها؟ الصبر .. الصبر .. هو وحده الدواء الشافي .. فلا بد من الانتظار إلى أن تأتي الساعة الحاسمة .. ساعة الانتصار!

الويل لتلك الساعة إن حلت، بل هي اللعنة التي تحل. فإن حياة الخلق وبقاءهم تحت سطوة كهنة الدين لهي اللعنة بعينها. وهل من المعقول أن يرضى المسيح - عليه السلام - لنفسه أن يتردى في هاوية هذا الحضيض؟ هل من الممكن أن يكون شريكا في هذه الجريمة؟ لا .. ليس هو! سواء كان عيسى أو غير عيسى. لا يمكن لأي نبي أن يحط من قدر نفسه بأن يكون نصيرا أو مدافعا عن هؤلاء المارقين المفسدين، فهذا عمل خليق فقط بزعيم متعطش للسلطة والحكم، فلا يتردد حتى في أن يكون ملكا على البهائم .. ناهيك عن أقوام صاروا كالأنعام والبهائم، وهو لن يتردد في التسلق على أكتاف الأنبياء لكي يحقق مطمعه.

إن أحلام كهنة الدين المجنونةَ لهي أشد من جنون المجانين، فهل من سبيل لتحقيقها؟ إن الأحلام المجنونة لا تُبدل الظلام نورا، ولا تجعل فجر يوم جديد يبزغ بعد ظلام ليلة طويلة. إن بزوغ فجر كل يوم جديد هو الذي يُبدد دائما ظلام أحلامهم. فلينم كهنة الدين إلى الأبد وليمتلئ الفراغ الذي في أدمغتهم بما يشاءون من خيالات وأوهام، تتغذى على تعطشهم غير المحدود للسُلطة. وليستيقظ المسلمون من غفلتهم، وليتمنوا لكهنة الدين أن يغطوا في سبات عميق إلى يوم الدين. وليستمر كهنة الدين في نومهم، وليغِطوا في نوم أشد عمقا، وليتركوا أمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشأنها، لكي يتمكن الناس من رؤية نور النهار.

الاثنين، 29 فبراير 2016

لا نسخ في القرآن الكريم




حقيقة النسخ في القرآن العظيم
 النسخ في اللغة
 أقسام النسخ عند القائلين بـه
 أدلة القائلين بالنسخ والرد عليها
 الرد على هذه الاستدلالات
 أدلة إبطال النسخ
 العديد من الأدلة العقلية التي لا يتسع المجال للخوض فيها.


حقيقة النسخ في القرآن العظيم

يشيع بين المسلمين أن في القرآن الكريم آياتٍ أحكامُها ملغية، وأن هنالك آياتٍ قد رُفعت من القرآن، وأن هنالك آياتٍ قد رُفع لفظها، بينما ظل حكمها مُلزمًا. فما حقيقة هذا الأمر؟

للإجابة على هذه التساؤلات، لا بد من مقدمة وعرض لأدلة القائلين بهذا، ثم تفنيدها.


النسخ في اللغة

يطلق النسخ في اللغة على معنيين هما:

الإزالة: "تقول العرب: (نسخت الشمس الظل) بمعنى أزالتـه، أو أذهبتـه وحلت محلـه".

النقل: "فنقول: نسخ الكتاب بمعنى نقلـه وكتبـه حرفًا بحرف" ومنـه قولـه تعالى (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ ما كنتم تَعْمَلُونَ)

أما النسخ في الاصطلاح، فلقد مرّ في تعريفات مختلفة، أخذت تتطور مع القرون، حتى استقر التعريف على: أنَّـه رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنـه. أي إلغاء حكم آية بحكم آية أخرى جاءت بعدها.


أقسام النسخ عند القائلين بـه

يقسم النسخ -عند القائلين بـه- إلى ثلاثة أقسام: 

نسخ التلاوة وإبقاء الحكم. ولا يجدون على ذلك غير مثالين هما: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" و "لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا التراب، ويتوب اللّه على من تاب"

نسخ التلاوة والحكم معًا. ويضربون على ذلك أمثلة عديدة، منـها: أنَّ المسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم قد نسوا سورة تعدل سورة براءة في الطول والشدة. ومنـها: أنَّ سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، فتم نسيان معظمها، ولم يعد بإمكانـهم أن يتذكروا إلا بضعًا وسبعين آية.

نسخ الحكم مع إبقاء التلاوة. أي إلغاء حكم الآية القرآنية، مع الإبقاء على لفظها في القرآن. والأمثلة على ذلك وصلت عند المكثرين إلى مئات الآيات، وعند المقلّين لم تتجاوز أصابع يد واحدة.


أدلة القائلين بالنسخ والرد عليها
  
مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(البقرة:107)


وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
(النحل:102)


روايات عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم

وفي ما يلي تبيان وجه الاستدلال في هذه الأدلة، والرد عليها.

وجه الاستدلال: 

قالوا: إن آية (ما ننسخ) تؤكد وجود أحكام منسوخة في القرآن الكريم، وأن هنالك آيات ألغتها، كما في موضوع شرب الخمر. وأن الآية الثانية تؤكد الأمر ذاته. أما الأحاديث فيوجد عدد منها يذكر أن هنالك آيات وسورًا قد تمت إزالتها من القرآن الكريم بأمر من الله تعالى الذي جعل الرسول والمسلمين ينسونها.


الرد على هذه الاستدلالات

أما الآية "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ.." فلا تتحدث عن إلغاء آيات القرآن بعضها البعض، بل عن إلغاء آيات القرآن لأحكام التوراة والكتب السماوية السابقة. لقد كره اليهود أن يُنـزّل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحكام تلغي أحكام التوراة، كاستقبال بيت المقدس مثلا، فاللّه تعالى يرد على حسدهم هذا، مؤكدًا أنّ الآيات التي يلغيها من التوراة أو الكتب السماوية السابقة، يأتي بخير منـها، وأن ما ينساه أهل الكتاب من كتبـهم، التي لم يَعِد اللّه بحفظها، يُنـزل اللّه في القرآن العظيم خيرًا منـها. فلماذا ينـزعج اليهود من هذا، مع أن التوراة تنص أنـها شريعة موقتة؟

إن الخطاب في سورة البقرة يتعلق باليهود بَدْءًا من الآية الحادية والأربعين، وحتى الآية الرابعة والعشرين بعد المائة، وآية النسخ واقعة خلال ذلك، فهي الآية السابعة بعد المائة في هذه السورة، فهي، بلا شك، تتوجه بالخطاب إلى اليهود منتقدة إياهم على استنكارهم نسخَ القرآنِ آياتِ التوراةِ. إن سياق الآية يؤكد ذلك. بينما التفسير المتداول لا يخدمه السياق بحال.

وأما استدلالهم بالآية (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ...) فليس يصفو لهم، لأن الآية هنا ليست بمعنى الآية القرآنية أيضا، بل بمعنى العذاب السماوي، الذي يظهر كعلامة على صدق النبي، والمعنى: "إذا بدَّل اللّه آية سماوية مكانَ أخرى لا يجوز أن يعترض أحد على ذلك، لأنَّ اللّه يعلم الآية المناسبة في وقتـها المناسب". 

إن هذا القانون يظهر في عهد كل نبي، حيث يتلقى وحيًا إنذاريًا مشروطًا، وقد يبدل اللّه هذا الوحي الإنذاري المشروط، كما حصل ذلك في قصة يونس عليه السلام، فبعد أن أخبر اللّه يونسَ -عليه السلام- أنَّ قومه سيهلكون، بدَّل اللّه ذلك لأنَّـهم قد تابوا."

"إن اللّه تعالى يفي بوعده، ولكنـه قد يؤخر وعيده. يجب التفريق جيدًا بين تغيير الوعد وتغيير الوعيد، فالأول كَذِب -واللّه تعالى منـزَّه عن ذلك- والثاني كرم."

وهناك معنى آخر يُحتمل للآية، وهو نسخ الآيات من الكتب السماوية السابقة، وليس من القرآن الكريم، والمعنى: إذا بدَّلْنا آيةً قرآنية مكان آيةٍ من الكتب الماضية اعترض الكفار، واتـهموا النبي بالافتراء، لأنَّـه ما دامت التوراة موجودة فما الداعي لأحكام جديدة؟ حسب تصورهم.

وأما احتجاجهم ببعض الأحاديث فهي لا تصح غالبا، أو أنها فُهمت خطأً. وليس هنالك أي حديث صحيح يفيد أن آية كذا ألغت حكم آية كذا. 

وأما ظن البعض أن هنالك آيات عديدة أُجمع على نسخها، فليس صحيحا البتة، بل لا يوجد آية واحدة اتفق المفسرون على نسخها.


أدلة إبطال النسخ

ومن الأدلة الدامغة التي تنقض "نسخ التلاوة" كما يسمونه هو الآيات الكريمة التالية: 

قولـه تعالى:

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
(القيامة:18-17)


لقد تعهد الله تعالى في هذه الآية بحفظ كتابه من خلال تعهده بجمعه وقراءته.
وقوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). في هذه الآية يؤكد الله تعالى أنه سيحفظ هذا القرآن الكريم من خلال عدد من أدوات التوكيد، وهي: إن، ولام التوكيد.

وأما أدلة إبطال نسخ الحكم، أي أدلة إبطال أن هنالك أحكاما قرآنية ملغية، فهي الآيات التالية: 

الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
(هود: 2)

معنى الآية: أن آيات القرآن الكريم قد أحكمها الله تعالى كلها، ولا ريب أن إلغاء بعض الأحكام يتنافى مع الإحكام.


لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 
(فصلت:43)
  
النسخ الذي يقولون به يعني إبطال الحكم، والآية الكريمة تنفي أن يكون القرآن يأتيه أي باطل. ولا شك أن إبطال حكم الآية يجعل الباطل يأتيها؛ لأن القائلين بنسخ الحكم يقولون: لا يجوز أن يُتبع الحكم المنسوخ، بل من البطلان اتباعه. أي أنهم يقولون بأن القرآن يأتيه الباطل، وهذا بخلاف الآية.

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا 
(النساء:83)

عند القائلين بالنسخ، فإن الآية الناسخة تلغي الآية المنسوخة لأن هناك اختلافا وتناقضا بين حكميْهما. وهذه الآية الكريمة تؤكد أن هذا غير موجدود في كتاب الله، بل هو في كتب البشر. وهذا المنطق تحتج به الآية على صدق القرآن الكريم، وكأن القائلين بالنسخ يكفرون بهذه الحجة!
  
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا 
(الكهف 28)
  
ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ 
(البقرة : 3)

  
العديد من الأدلة العقلية التي لا يتسع المجال للخوض فيها

وأهمها أنه لم يثبت أن هناك تعارضا بين آيتين في القرآن قط، ولقد تتبعت الآيات التي قيل إنها منسوخة، وبينت عدم تعارضها مع الآيات التي قيل إنها ناسخة لها، وذلك في كتاب "تنـزيه أي القرآن عن النسخ والنقصان" للأستاذ المهندس هاني طاهر.

ومن أهم هذه الآيات قوله تعالى {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}، فظنوا أنها تتعارض مع الآية الكريمة {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} والحقيقة أن آية {لا تقربوا الصلاة} لا تدل على إباحة الخمر، بل كل ما فيها هو النهي عن الصلاة حال السكر، أي أن موضوعها هو مبطلات الصلاة، وليس حكم الخمر ولا المسكرات.

فلا نجد في هذه الآية أي حكم للخمر، فليس هو بمباح ولا بحرام ولا بواجب في هذه الآية، بل هي ساكتة عن هذا الحكم، كما هي ساكتة عن حكم الربا، فلا نعرف حكم الربا من خلال هذه الآية، ولا حكم القذف. فجاءت آية {فاجتنبوه} لتحرم الخمر مرة واحدة، فالخمر حرام بنص الآية الثانية، والصلاة في حالة السكر حرام بنص الآية الأولى، فالآيتان عاملتان محكمتان وليستا بمتعارضتين.

إن للاعتقاد بالنسخ آثارا سلبية وخيمة، أهمها الشك في صلاحية كتاب الله العظيم، حيث إن المستدل به لا يجزم بأي حكم فيه، لكونه يظن أنه ما من آية إلا وهي قابلة للنسخ، وأن المجتهد هو من يحدد المنسوخ من الباقي. لذا قلّ الاهتمام بالقرآن الكريم عبر التاريخ الإسلامي بينما تضخم الاهتمام بالحديث بشكل هائل. وإن القول بالنسخ يفتح باب التشكيك في القرآن الكريم، ويعطي هبة لأعداء الإسلام للتشكيك.

آن لنا أن نجزم أن هذا القرآن العظيم لا اختلاف فيه لأنه من عند الله، وأن آياته أُحكمت كلها.

ولا يتسع المجال لتناول أدلة القائلين بالنسخ بتفصيلاتها كلها، ولمن أراد الاستزادة، فيمكنه مراجعة كتاب "تنزيه آي القرآن عن النسخ والنقصان".
الأحد، 31 يناير 2016

و رفعناه مكانا عليا


الرفع في القرآن الكريم رفع العمل الصالح بالموت لا رفع الأجساد حية وَإِن كان بلفظ رفع المكان ! فكيف وَإِن لم يرد لفظ المكان وورد لفظ الوفاة !


قال الإمام السيوطي رحمه الله:

"أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : سألت كعبا عن رفع إدريس مكانا عليا فقال : كان عبدا تقيا رفع له من العمل الصالح ما رفع لأهل الأرض في زمانه فعجب الملك الذي كان يصعد عليه عمله فاستأذن ربه قال : رب ائذن لي آتي عبدك هذا فأزوره فأذن له فنزل قال : يا إدريس أبشر فإنه رفع لك من العمل الصالح ما لا رفع لأهل الأرض قال : وما علمك ؟ ! قال إني ملك. قال : وإن كنت ملكا ؟ قال : فإني على الباب الذي يصعد عليه عملك. قال : أفلا تشفع إلى ملك الموت فيؤخر من أجلي لأزداد شكرا وعبادة ؟ قال الملك : لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها (المنافقون آية 11) قال : قد علمت ولكنه أطيب لنفسي فحمله الملك على جناحيه فصعد به إلى السماء فقال : يا ملك الموت هذا عبد تقي نبي رفع له من العمل الصالح ما لا يرفع لأهل الأرض وإني أعجبني ذلك فاستأذنت ربي عليه فلما بشرته بذلك سألني لأشفع له إليك لتؤخر له من أجله ليزداد شكرا وعبادة. قال : ومن هذا ؟ قال : إدريس فنظر في كتاب معه حتى مر باسمه فقال : والله ما بقي من أجل إدريس شيء فمحاه فمات مكانه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ورفعناه مكانا عليا قال : رفع إلى السماء السادسة فمات فيها." (الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي، 84-85/ 10)

الفائدة: مع إنْ إدريس عَلَيهِ السَلام لم يُذكر في حقه الوفاة وذُكر أن الله تعالى رفعه بل وجاء الرفع مقترناً بالمكان (ورفعناه مكاناً عليا) ألا إن السلف فهموا من الرفع رفع العمل الصالح (والعمل الصالح يرفعه) ورفع الدرجة رغم ورود لفظ (المكان) كجهة للرفع ! ولم يفهم كبار الصحابة كابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من ذلك اللفظ إلا الموت ورفع العمل الصالح الثابت في القرآن المجيد. فلماذا يصر المشايخ على رفع عيسى مكاناً لا مكانة وعدم موته بل استمرار حياته في ذلك المكان الذي زعموا رفعه إليه ؟ الحق أن الله تعالى يريدنا أن نفهم بأن الرفع وَإِن ورد مقترناً بالمكان كما هي الحال مع إدريس عَلَيهِ السَلام، فلا يجب أن يؤخذ إلا بما يليق بالله ﷻ أي رفع العمل الصالح والدرجة فلا دليل على ذلك في الكتاب ولا يليق برفع أجسام الدنيا إلى الله تعالى عن ذلك، وأن كل رفع هو للعمل الصالح فقط وأن الرفع يتم بالموت والانقطاع عن الدنيا وهو ما يذكرنا بقول ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حول معنى وفاة المسيح في صحيح البخاري: متوفيك أي مميتك. رغم ذلك كله ورغم ورود الرفع بحق إدريس بلفظ المكان وعدم أخذه إلا برفع العمل الصالح مع عدم ذكر الوفاة في حقه، ورغم ورود الوفاة في حق المسيح ألا أن المشايخ يصرون على أنه رفع بجسده إلى السماء ولم يمت إلى الآن. والله المستعان 

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 
الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

رسالة إلى المسلمين العرب

رسالة إلى المسلمين العرب


اشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
هذه الرسالة بها:
(نبأ الدجال وحروب آخر الزمان وفتح القسطنطينية وعصمة فواتح الكهف وعيسى بن مريم ومكان نزوله والجزية التي سيضعها وضرورة بعثة المسيح وقوة زفيره الخارقة والمال الذي سيفيض وغيرها من أنباء الساعة )

# نص الرسالة:
أمة الحبيب... هل انتم راضون عن حالكم؟ هل تصدقون أن الله ينصر المؤمنين؟ فهل يخلف الله وعده؟ أم هل انتم لستم بمؤمنين؟ وإن كنتم كذلك.. أين دعاء الفاتحة؟ أين الذين أنعم الله عليهم؟ أم يخدعكم ربكم بهذا الدعاء؟ أيجعل الله في هذا الزمان مليارات ضالين وملايين مغضوب عليهم ولا يجعل منعما عليهم؟ ألا ترون أن هذا غير منطقي! .. أين روح القرآن؟ أين علماء الأمة؟ أين جماعة المؤمنين؟ أين إمام المؤمنين؟ أين وعد الله بحفظ قرآنه؟ أين إيمانكم؟ أين إيمان وروحانية البشرية؟ هل يرفع الله الإيمان هكذا ويترك دينه لمن هب ودب؟ هناك شيء خاطئ.. ولعل الرسالة التالية تجعلكم تفيقون قليلاً.
أمة الحبيب.. أريد أن اهديكم معلومات هامة جداً بخصوص أنباء الساعة..متعلقة جداً بهذا العصر..متأصلة جيداً من القرآن والسنة..وقد غابت عن أعينكم لفترة طويلة كفاية. 
أما بعد ... فيا أمتي الحبيبة كتب الله أن تضلوا من بعد سيدنا محمد وللأسف.. كما فعلت بني إسرائيل من بعد موسى.. وأن تقعون في شتى أنواع الشرك.. وأن يضيع القرآن منكم وهو بين ظهرانيكم كما ضاعت التوراة من بني إسرائيل وهي بين ظهرانيهم.. فقد حملوها كما تحمل الحمير البضاعة لا تدري ما في تلك البضاعة.. وكذلك تفعلون مثلهم حذو النعل بالنعل.. فليأتين عليكم زمان تحتفظون فيه بخط القرآن كما قاله الحبيب لكم.. ولكن لا تدرون حقيقة القرآن ولا معانيه الروحانية رفيعة المستوى ولا لآلئه المكنونة داخله.. فيكون قرآنكم في السماء وأنتم في الأرض.. ليس القرآن فقط بل كل إيمانكم يذهب منكم بلا أمل منكم في رجعة.. وتضيع تعاليم دينكم منكم عند الثريا بلا أمل في عودة ثانية إلا ببعثة ثانية لسيدنا محمد وعودة لزمن صحابته.
والحمد لله الرحمن الرحيم ليأتينكم الله بالبعثة الثانية فعلاً وليأتينكم برجل على هدي محمد ونوره مقتبس من نور محمد وهذا الكلام واضح في سورة الجمعة(وابحثوا ماذا قال النبي عن بعثة الآخرين عندما نزلت سورة الجمعة).. وعندما تذهب شمسكم _أي محمد صلى الله عليه وسلم _ يأتيكم الله بقمر يعكس عليكم بعضاً من نور الشمس حتى لا تضيعوا في ظلامكم الدامس وإذا جاءكم هذا الرجل يكون معروفاً بينكم بطهارة سيرته منذ صغره طهارة مثل طهارة مريم ويظل هكذا حتى يأتيه اليقين .. يقين الوحي.. فيصير ببركة مكالمات الله وكثرة النبوءات له نبيا ،ويأتي اليكم وجماعته بالإيمان ولو كان عند الثريا ويحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون.
وإذا أتاكم فاعرفوه... فإنه في صفاته وحالاته الروحانية ودعوته أشبه ما يكون بعيسى بن مريم.. حتى معارضتكم له تكون مثل معارضة بني إسرائيل لعيسى بن مريم.. حتى أنه يأتي للقضاء على فتنة الصليب تبعا لرغبات وإرادات عيسى بن مريم.. ويكون بلا معلم أرضي.. أي بلا أب روحي مثل عيسى بن مريم.. بل وأيضاً يهدي الموتى الروحانيين منكم ويدعوكم لما يحييكم مثلما فعل عيسى بن مريم مع اليهود الماديين ،من كثرة شبهه بعيسى وكونه عاش طيلة حياته قبل دعوته بطهارة مثل طهارة مريم يمكن أن اسميه كما سماه المصطفى "عيسى بن مريم" فهو شبيه لعيسى وليد لمريم. (فكما يقال فلان بن عز وبن حلال ،هو أيضاً بن مريم.. وليد مرحلة طاهرة وحالة روحانية أشبه ما تكون بحالة مريم عليها السلام ،ومثل هذا التشبيه شائع في العرب بل وشائع الآن أيضاً فليس المقصود بقولنا فلان بن عز أن أباه اسمه عز ،بل مر هذا الشخص بمرحلة زمنية وحالة ترف خاصة وكاملة حتى يمكن تسميته بأنه وليد هذه المرحلة ،وكذلك قولنا بن حلال وغيرها...).
واذا أتاكم فاعلموا جيداً:
أنه لن يهتدي من علومكم الأرضية.. بل يأتيكم بعلوم من السماء ومعارف من السماء لذا تواضعوا له ولا تتكبروا فهو خليفة الله فيكم المهدي من ربه وحده.. لا يهتدي بهدي أحدكم.. فهو يأتيكم من السماء ،لذا لا تتذاكوا وتستفتوا علماء عصره فيه.. ففي زمنه الكل ضال وماء المشايخ صارت غورا.. واعلموا أنه يأتيكم كذابون ثلاثون كلهم يقول أنه نبي ومهدي ولكن اعلموا أيضاً أن لمهدينا آيتين آية كسوف وآية خسوف.. فإذا كان هناك من يقول بأنه مهدينا وانكسف الشمس والقمر في رمضان واحد فهو نبي وصادق وهو مهدينا أما غير ذلك فهو كاذب ودجال ولا تنسوا.. ففي زمانه "لا مهدي إلا عيسى بن مريم".
إذا أتاكم مسيحكم إماماً مهديا وحكما عدلاً فاعرفوه مكانه: فإنه يأتيكم من مكان يقع في شرق دمشق تماماً.
واذا أتاكم فاعرفوا زمانه: 
فإنه يأتيكم في زمن يقارب خروج الدجال.. والذي يمكنكم أن تترقبوا خروجه بعد أن يفتح الله عليكم القسطنطينية.. ولا تنسوا فتح القسطنطينية فقد فتحت في عام ١٤٥٣ ميلادية.. ترقبوا هذا التاريخ وترقبوا تحركات الدجال جيداً. 
وإن ساعة مهديكم تأتي في زمان غلبة الصليب حيث لا يقدر على كسره أحد منكم ، يؤيده الله في مهمة كسر الصليب تلك ويمنح العالم أكبر طعنة في تاريخ البشرية موجهة مباشرةً الى الفكر الصليبي وهي وفاة عيسى بن مريم الإسرائيلي وفاة طبيعية مثل باقي البشر وأنه ليس بدعا من الرسل وأنه ليس بخالق ولا يحيي الأموات إحياء حقيقياً بل إعجازيا.
واعلموا أنه لن يقضي على الديانة الصليبية فقط بل يقضي على كل الأديان ولن يبقى بقوة وعقلانية إلا المسلمون والاسلام الى يوم القيامة فيحاجج الصليبيين والسيخ واليهود والهندوس والملحدين وكل الأديان.. وتكون الحجة البالغة للإسلام.. وبطريقة منهجية وعقلية مذهلة.. وإن شئنا أن نعبر عن الأمر بدقة يمكننا القول كما قال الحبيب بأنه سيهلك الملل كلها إلا الإسلام.. فزمنه يعينه على هذا أكثر من ذي قبل.. ففي زمنه تنتشر الصحف ويتعارف الناس على مستوى العالم وتنتشر الحضارات والثقافات ويكون العالم قرية صغيرة باستخدام الانترنت والأقمار الصناعية وغيرها ولكن لن يفهم الصحابة هذا الكلام.. لن يستوعبه من البشر إلا أصحاب القرن ال١٩ الميلادي ومن يليهم.. لذا تسهيلا لعملية نقل كلام النبي الينا قال الله عز وجل "وإذا الصحف نشرت وإذا النفوس زوجت"(هذه الآية تحتاج إلى تدبر عميق).. وينشر المسيح المهدي حجته حتى أقصى أطراف الأرضين ويقتل الكافرين قتلا شنيعا وفقط بنفسه الذي يتنفسه وأقواله وكتاباته القوية الدامغة.
ويأتيكم أيضاً في زمن قوة فتنة المسيح الدجال وهي فتنة قد تخفى على عقولكم لقوتها ودهائها ولا ترون حقيقتها.. لكن لكي تعرفوا زمانها فإنها تأتي في زمان قوم لا يدان لأحد بقتالهم يستخدمون الأسلحة النارية وأجيج النار من بنادق ومدافع وقنابل وصواريخ وغيرها حتى سماهم الله يأجوج ومأجوج وهم بمثابة الجناح العسكري للفتنة الدجالية فهم يحتلون البلاد ويأخذون خيراتها ومن ثم أصحاب الفكر الصليبي يأتون على مخترعاتهم لوسائل المواصلات وينشرون ديانتهم الصليبية في العالم بسرعة رهيبة.
(واذا العشار عطلت) فلن يركب أحد الجمال مرة أخرى فيتم اختراع بدلاً منها أشياءً أخرى أفضل منها .. منها ما يركبها اثنين ومنها ما يركبها عشرة ومنها ما يركبها ألف انها في الحقيقة الدراجات البخارية والسيارات العشرة راكب والقطارات والطائرات والسفن العملاقة ولكن تلك الأسامي لن يفهمها أحد في القرن السادس الميلادي ولكن صلى الله عليه وسلم قرب الأمور إلى الناقلين قدر المستطاع فمن غير المعقول أن يقول للصحابة سيأتيكم المسيح الدجال على القطار والطائرة ،فما للصحابة وما للقطار والطائرة؟.. ولكن طالما أن هذه المخترعات وسائل للنقل والحمل إذا يمكنه أن يسميها حمارا فهذا أشهر الحيوانات قياما بمهمتي النقل والحمل.. ومواصفات هذا الحمار أنه يأكل الحجارة أي يعمل بالفحم.. وإذا نظرت إليه من الجنب وجدت أعلى مقدمته جبل من دخان.. وإذا نظرت إليه من الأمام وجدت فيه لمبة قوية مضيئة مثل القمر.. وله سروج وفروج وسلالم من اليمين واليسار حتى يدخل فيه المسافرين.. اتمنى بعد هذا الوصف الثلاثي الأبعاد من الحبيب المصطفى أن تعرفوه ولا تنسوه إنه القطار البخاري.. وأيضاً ستجدون طائرة تطير بأجنحة ومواتير إحتراق من جيت وتيربو وغيرها وبما أنها ستستخدم لنقل الناس والبضائع يمكن أن يشبهها بأنها حماراً أيضا ولكن يطير ويتناول السحاب بيمينه وله جناحين ثابتين غير متحركين لا يشبهان أجنحة الطير أشبه ما يكونا بأذنين طويلين طول كل منهما أربعون ذراعاً وما بين أذنيه أربعون باعا ويجلس المسافرين بين أذنيه.. وستجدون أيضاً ما يسمى بالسفينة التجارية وسفينة الصيد وهي عملاقة جداً وتصطاد كل شيء من البحار ولها ميكانيزم ضخم (أي تصميم ميكانيكي وآلية عمل جبارة) تعتمد على قوانين فيزيائية وهيدروليكية معقدة ولكن يمكنني بأن أسهل عليكم الوصف وأقول لكم إنها جبال تسير في البحار ولها يد أطول من الأخرى فتمد يدها الطويلة وتأخذ من الحيتان ما تشاء.
وترون أيضاً العجب العجاب و كيف أن النبي تنبأ لهؤلاء القوم أنهم سيخرجون أطنانا من البترول من صحراء العرب والعراق والخليج _وهذا البترول كما نعلم إنما هو مادة عضوية تكونت نتيجة تحلل الديناصورات من ملايين السنيين_ ولأهميته الإقتصادية يسمونه الذهب الأسود ،ويستخدمونه في صناعاتهم وإقتصادهم ومحطات الكهرباء خاصتهم أيضًا.. ويخرجونه من أماكن لا زرع فيها ولا ماء.. لا ترجون منها خيرا.. هي بمثابة مناطق خربة بالنسبة إلينا.. ولكن إذا أراد المصطفى أن يقرب الأمر على ناقليه يمكنه القول ببساطة أن هذه الأقوام ستقول للخربة اخرجي كنوزك فتخرج.
ومن ثم تحتل هذه الأقوام العالم ويسيطرون على إقتصاد العالم بقوة وشراسة ويعرضون تراثهم وحضارتهم وأديانهم المزيفة الصليبية ويعرضون دياثتهم وإلحادهم وخلاعتهم ومجونهم على العالم ومن يرفض أن يكون في جانبهم او خاضعا لتلك الأفكار والثقافات معهم يوقعون عليه الضغوطات الإقتصادية والقيود المالية ويضيقون عليه من كل جانب حتى يفلس وتصير بلاده خربة ولكن مع الوقت نفسه من يصمد امامهم سيكتشفون انهم أحرار وعلى صواب وسيعتمدون على أنفسهم ويقومون باقتصادهم الخاص ولكن اذا خافوا ورضوا بالخضوع لهم والنخوع صاروا عبيداً لهم يذهبون بهم ويجيئون حيث يريدون ولا يريدون.. بمعنى آخر ومختصر يأتونكم _هؤلاء الكاذبين مغيري الحقائق عن البشرية_ بجنة ونار ولكن نارهم جنة وجنتهم نار .
وهؤلاء الأقوام يتطورون في علم النبات ويتطورون في علم الجينات حتى أنهم يزرعون محاصيل الشتاء في الصيف ومحاصيل الصيف في الشتاء ويستخدمون أنظمة متطورة من الري حتى يصبح الماء نازلا للنبات على هيئة قطرات صغيرة وكثيفة محاكاة دقيقة للمطر باستخدام الطائرات ومكن الرش الحديث ،وتتطور علومهم حتى أنهم يمكنهم أن يجمدوا المياه في لحظة .. باستخدام النيتروجين السائل ،ويمكنهم أن يصنعوا سدودا للأنهار باستخدام الخرسانة وعلم الموائع وضغوطها حتى يوقفوا بتلك السدود أعتى وأقوى الفيضانات ،ويتطورون جداً في علوم الطب والجراحة حتى أنهم يفتحون أجساد الناس وأدمغتهم ويركبونها مرة أخرى ... ولكن كيف يشرح الرسول الامر للصحابة؟ فهذه علوم زمن بعيد جداً ! ... حسناً اعتقد أنه يمكنه أن يعبر لهم عن هذا الموضوع بأن الدجال سيأمر الأرض أن تنبت فتنبت ويأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الماء أن ييبس فييبس ويأمر النهر أن يرجع فيرجع ويقطع الشاب جزلتين ثم يدعوه فيتهلل وجهه ويضحك.
ولكن يريد رسولنا حمايتنا فينصحنا بقراءة الكهف كل جمعة لكي لا تتأثروا بفتن الدجال تلك.. ولكي تثبتوا ولا تحبوا الدنيا ولكي تحذروا الفتنة الصليبية.. بل وقال أكثروا من قراءة فواتح سورة الكهف فهي عصمتكم من الدجال! لماذا؟.. لأن فيها التحذير اللازم من فتنة حملة الصليب وفيها أيضا تحقيرا للدنيا وتذكيرا لكم بأن الأرض فانية وهالكة فلا تتمسكوا بها ولا تتمسكوا بالحكم والرئاسة ويكون همكم كله في الدنيا وتنسوا أنفسكم وحالاتكم الروحانية.
تأملوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم كيف أنتم إذا حل بن مريم فيكم وإذا حل فيكم إمامكم نبيكم الذي هو منكم.. إن هذا السؤال يدل على أمر محزن يطول شرحه:
فبما أنكم تحذون حذو بني إسرائيل حذو النعل بالنعل فسوف تعارضون مسيحكم معارضة كل قوم لنبيهم وبالأخص سوف تعارضونه معارضة بني اسرائيل لمسيحهم وستطالبونه بأن يأتيكم مبعوث طائر من السماء كما طلب بني اسرائيل من عيسى حيث قالوا له أين إيليا الذي سيأتينا طائرا من السماء وعلى السحاب تحمله الملائكة .. كذلك انتم تفعلون.. وتقولون لعيسى عليك أن تأتينا طائرا على أجنحة ملائكة.
وللأسف كما أنبأت بعض الروايات فلن يبايعه في البداية كثير من العرب... لذا أيها المسلمون بايعوه ولو حبواً على الثلج فهو وجماعته جماعة المؤمنين نجاتكم من المسيح الدجال.
اعلموا يا أمة الحبيب أن مسيحكم منكم فأنتم خير أمة أخرجت للناس ولن ينعم الله على كثير من أتباع الانبياء السابقين بنعمة الوحي ثم يحرم خير أمة من تلك النعمة وذلك الشرف فقد أنعم الله على أم موسى بالوحي وأنعم على مريم بالوحي وأنعم على زكريا بالوحي بل أنعم الله على النحل بالوحي.. فكيف يحرم الله عبداً مخلصاً محبا صادقاً لله ومحبا صادقاً لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من نعمة الوحي والمكالمات الإلهية؟.. واعلموا أن الله قد أخبركم أن من يطع الله ويطع رسوله فسوف يكون من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ومدرسة محمد قادرة على تخريج خريجين بدرجة أنبياء وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ولن يوقف هذا الفضل أحد أبداً..ولكن أحذروا أن يقول لكم أنا نبي من بعد محمد ولي نبوتي وشريعتي وكتابي.. فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ولا شريعة بعد شريعته ولا كتاب بعد القرآن وصلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بلا منازع.
واعلموا ايضا أنه لن يعلمكم نبي من بني إسرائيل تعاليم دينكم.. ولن يلغي لكم أحد من القرآن شيئاً.. ولن يعدل لكم أحد شريعتكم.. فلن يلغي الجهاد أحد.. ولن يأمكم من امم أخرى أحد.. ولن يغير من شريعة فرض الجزية أحد ولن يكره الناس في دينهم أحد.. ولن يقتل مسيحكم من لا يدين بالإسلام حتى تهلك الملل كلها ،لا وألف لا..هذا إكراه صريح في الدين..فإن فعل أحدهم هذا فهو ليس من الله في شيء.. فليس الأمر كذلك.. بل كل ما في الأمر أنكم ستبتعدون عن تعاليم الإسلام وستظنون أن كل شيء لا يحل إلا بالعنف والقتال وستنتشر في قلوبكم مشاعر الكره والحسد للأمم الأخرى وستعتقدون بأن عليكم قتالهم أجمعين والجهاد في سبيل الله ضدهم أجمعين ولكن الحقيقة أن هذا التفكير عقيم والجهاد في سبيل الله أسمى من ذلك فلم يكن القتال في سبيل الله إلا لإعلاء كلمة الله والتي هي حرية نشر الإسلام وحرية الإعتقاد عامة وعدم اكراه الناس على دينهم أينما كانوا.. أما غير ذلك فعلى الدولة المعنية بهذا الإكراه الديني أو إذا سطت على دولة مجاورة أخرى بسبب اختلافات دينية أن تتوقف في الحال وأن يتم تحذيرها للكف عن ظلمها سلما أولاً حقنا للدماء واذا لم تتوقف على اعتدائها بسبب العنصرية الدينية يتم اتخاذ قرار الحرب نشرا للحرية الدينية في العالم.
وهذا هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته دفاعاً عن أنفسهم ممن كانوا يقاتلونهم لأنهم يقولون أنه لا إله الا الله إله واحد فرد صمد وكانوا يدافعون أيضاً عن أي دولة يتم إضطهاد الناس فيها بسبب دينهم ويحذرون أصحاب القرار في تلك الدول المعتدية من روم وفرس في مصر والشام وغيرها بأن توقفوا عن إضطهادكم للملسمين الذين يعيشون تحت سلطاتكم.. فيأتيهم الرد منهم بالرفض وبالاستمرار في التعذيب والقتل وأنواع الإكراه.. فيضطرون حينها للقتال دفاعاً عن هؤلاء الضعفاء فيقولون لرؤساء هذه الدول أمامكم الآن بعد رفضكم للسلام خيار من ثلاثة خيارات.. الخيار الأول: أن تخضعوا لحكومتنا وسلطتنا ودستورنا الذي يدعم تلك الحريات ،وتدفعوا ضرائب باستمرار تدل على أنكم حلفاءنا وفي صفنا وتحت قيادتنا ،وتعني أنكم لن تدخروا الأموال في عمل إنقلابات ومخططات إرهابية.. والخيار الثاني: فهو أن تعلنوا الاستسلام والرجوع عن هذه الاعتداءات في حق الحريات البشرية وأن تقبلوا الاسلام وأن تدعوا الناس يدينون بما يريدون كيفما يريدون أينما يريدون فلا إكراه في الدين.. أما الخيار الثالث والأخير والغير مرغوب فيه: فهو الحرب.. وللأسف كان غالباً يأتيهم الرد بالرفض وباستمرار العنف والإرهاب ،والتآمر ضد الأمن القومي للدولة الإسلامية المسالمة والتخابر مع أعدائها المعتدين من روم وفرس وغيرهم من غاصبي حقوق الحريات الدينية.
أما في زمن مسيحكم فالوضع مختلف تماماً فلن تهجم دولة على أخرى بسبب دينها مرة أخرى وإن حدث ذلك فهو من منظمات إرهابية فردية لا تمثل دولا أخرى أبداً.. لذا ليس عليكم أبداً أن تقاتلوا باسم الإسلام.. وتقولوا أنه جهاد في سبيل الله.. فهذا خداع وكذب.. وسيكون علماءكم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم اليها قذفوه فيها ،وسيفهمكم مسيحكم هذه الإشكالية ولكن تظنون به سوءاً بأنه يسقط حكم الجهاد وستعارضونه وتتعجلون في أمره ولا تتفكرون.
وأما وضع الجزية فليس معنيا به تغيير الشريعة أبداً.. فمحمد خاتم النبيين ولا شريعة بعد شريعته ولا كتاب بعد القرآن.. كل ما في الأمر هو أنكم ستحاولون أخذ الجزية من أناس طيبون مواطنون صالحون لا يجوز أخذ الجزية منهم.. ومسيحكم سيفهمكم هذه الإشكالية أيضاً وسيفهمكم أنه لا يجوز أي تغيير أو تبديل في شريعة محمد خاتم النبيين ولكنكم ترفضون قوله وتقولون: أين ذلك النبي من تلك الرسل التي خلت؟ أين عيسى لكي يغير لنا شريعتنا؟ اين عيسى لكي يضع لنا الجزية ويكره الناس في الدين؟. 
يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون.
وستكتشفون بأنفسكم أنكم على باطل وأن تعاليم مشايخ دينكم بها خطب ما.. وخطابكم الديني تغلب عليه قسوة القلب وجهالة العناد والحرب وستحاولون تجديد خطابكم الديني.. وسيعرض عليكم جماعة المؤمنين _أتباع المسيح المهدي_ الحل لكل مشاكلكم وكيفية تجديد دينكم.. ولكنكم ترفضون وتبحثون عند فقراء الناس عن الحلول وتتركون من أعطاه الله وفرة العلوم يحدث الآخرين دونكم.. أنتم حينها كمن يعرض عليه المال الفائض ولا يقبله.. وسيكون المسيح حينها كمن يعرض المال الوفير ولا يقبله أحد.
أيها القارئ العزيز من تلك الأزمان المذكورة وتلك العصور المقصودة.. رجاءً لا تأخذ كلام النبي من كتب الحديث بحرفيته و أعلم أنه طلبت ذلك منكم وستجدون كلامه هذا في كتاب البخاري حيث قال لناقلي تلك النبوءات أن أيها الناس إني أقول لكم هذا الكلام لتفهموه وتعقلوه وتعوه.. فلتحدثوا به أولادكم وليحدث الآخر به الآخر فإنه أشد الفتن.
وأخيراً أيها العرب.. أتتكم كل تلك النبوءات صغيرها وكبيرها.. فماذا تنتظرون؟ ألم يأن للعرب أن تخشع قلوبهم ويقبلون الجماعة الإسلامية الأحمدية؟.

انتهت الرسالة...
عربي باي